سيدى ابن الفارض رضى الله عنه
هو عُمر بن علي
بن مرشد بن علي لقب بـ "سلطان العاشقين"
ولد ابن الفارض
بمصر سنة 576 هـ الموافق 1181م
اشتغل سيدى ابن الفارض رضى الله عنه بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وأخذ عنه
الحافظ المنذري وغيره، إلا أنه ما لبث أن زهد بكل ذلك وتجرد، وسلك طريق التصوف وجعل
يأوي إلى المساجد المهجورة وأطراف جبل المقطم، وذهب إلى مكة في غير أشهر الحج ،
وأكثر العزلة في وادٍ بعيد عن مكة ثم عاد إلى مصر وقصده الناس بالزيارة حتى أن الملك
الكامل كان ينزل لزيارته.
وكان حسن الصحبة والعشرة رقيق الطبع فصيح العبارة، يعشق مطلق
الجمال.
تتلمذ سيدى ابن الفارض رضى الله عنهعلى الشيخ أبي الحسن علي البقال صاحب الفتح الالهي
والعلم اللدني، كان ابن الفارض إذا حضر مجلساً ظهر على المجلس سكون وسكينة، يتردد عليه
في مجلسه جماعة من المشايخ والعلماء وعدد من الفقراء وأكابر الدولة وسائر الناس، وهم
في غاية الأدب والتواضع معه، وإذا مشى في المدينة تزاحم عليه الناس يلتمسون منه البركة
والدعاء ويقصدون تقبيل يده فلا يمكن أحداً من ذلك بل يصافحه.
وكانت ثيابه حسنة ورائحته طيبة، وكان ينفق على من كان يرد
عليه من الفقراء والمساكين، ولقد بعث إليه الملك الكامل أن يجهز له ضريحاً
عند قبة الامام الشافعي فلم يأذن له بذلك فطلب منه أن يجهز له مكاناً يكون مزاراً له
بعد موته فرفض.
توفي سيدى ابن الفارض رضى الله عنه سنة 632 هـ
الموافق 1235م في مصر ودفن بجوار جبل المقطم في مسجده المشهور.
ومن أشهرقصائد سيدى ابن الفارض رضى الله عنه
أنتمْ فروضي ونفلي
أنتمْ فروضي ونفلي
أنتمْ حديثي وشغلي
يا قِبْلَتي في
صَلاتي، إذا وَقَفْتُ أُصَلّي
جَمالُكُمْ نَصْبُ
عَيني إليهِ وجَّهتُ كلِّي
وسِرّكُمْ في ضَميري،
والقَلْبُ طُورُ التّجَلّي
آنَسْتُ في الحَيّ
ناراً ليلاً فبشَّرتُ أهلي
قلتُ امكثوا فلعلِّي
أَجِدْ هُدايَ لَعَلّي
دَنَوْتُ مِنْها
فكانَتْ نارُ المُكَلَّمِ قَبلي
نُودِيتُ مِنها
جِهاراً: رَدّوا لَياليَ وَصلي
حتّى إذا ما تَدانَى
الميقاتُ في جمعِ شملي
صارتْ جباليَ دكَّاً
منْ هيبةِ المتجلِّي
ولاحَ سِرٌّ خَفيٌّ
يَدْريهِ مَن كانَ مِثْلي
فالمَوتُ فيهِ
حياتي، وفي حَياتي قَتلي
أنا الفقيرُ المُعَنّى
رِقُوا لِحَالي وذُلّي
============
رائيته فى مدح حضرة سيدنا النبى صلى الله
عليه وسلم
في كل فاتحة للقول معتبره
في كل فاتحة للقول
معتبره .. حق الثناء على المبعوث بالبقره
في آل عمران قدما
شاع مبعثه .. رجالهم والنساء استوضحوا خبره
من مد للناس من
نعماه مائدة .. عمت فليست على الأنعام مقتصره
أعراف نعماه ما
حل الرجاء بها .. إلا وأنفال ذاك الجود مبتدره
به توسل إذ نادى
بتوبته في البحر يونس والظلماء معتكره
هود ويوسف كم خوف
به امنا .. ولن يروع صوت الرعد من ذكره
مضمون دعوة إبراهيم
كان وفي .. بيت الإله وفي الحجر التمس أثره
ذو امة كدوي النحل
ذكرهم .. في كل قطر فسبحان الذي فطره
بكهف رحماه قد
لاذ الورى وبه .. بشرى ابن مريم في الإنجيل مشتهره
سماه طه وحض الأنبياء
على .. حج المكان الذي من اجله عمره
قد افلح الناس
بالنور الذي عمروا .. من نور فرقانه لما جلا غرره
أكابر الشعراء
اللسن قد عجزوا .. كالنمل إذ سمعت أذانهم سوره
وحسبه قصص للعنكبوت
أتى .. اذ حاك نسجا بباب الغار قد ستره
في الروم قد شاع
قدما أمره و به .. لقمان وفق للدر الذي نثره
كم سجدة في طلى
الأحزاب قد سجدت .. سيوفه فأراهم ربه عبره
سباهم فاطر السبع
العلى كرما .. لمن بياسين بين الرسل قد شهره
في الحرب قد صفت
الأملاك تنصره .. فصار جمع الأعادي هازما زمره
لغافر الذنب في
تفضيله سور .. قد فصلت لمعان غير منحصره
شوراه أن تهجر
الدنيا فزخرفها .. مثل الدخان فيعشي عين من نظره
عزت شريعته البيضاء
حين اتى .. احقاف بدر وجند اللّه قد نصره
فجاء بعد القتال
الفتح متصلا .. وأصبحت حجرات الدين منتصره
بقاف والذاريات
اللّه اقسم في .. ان الذي قاله حق كما ذكره
في الطور أبصر
موسى نجم سؤدده .. والأفق قد شق إجلالا له قمره
أسرى فنال من الرحمن
واقعة .. في القرب ثبت فيه ربه بصره
أراه أشياء لا
يقوى الحديد لها .. وفي مجادلة الكفار قد ازره
في الحشر يوم امتحان
الخلق يقبل في .. صف من الرسل كل تابع أثره
كف يسبح للّه الحصاة
بها .. فاقبل إذا جاءك الحق الذي قدره
قد أبصرت عنده
الدنيا تغابنها .. نالت طلاقا ولم يصرف لها نظره
تحريمه الحب للدنيا
ورغبته .. عن زهرة الملك حقا عندما نظره
في نون قد حقت
الامداح فيه بما .. أثنى به اللّه إذ أبدى لنا سيره
بجاهه سال نوح
في سفينته .. سفن النجاة وموج البحر قد غمره
وقالت الجن جاء
الحق فاتبعوا .. مزملا تابعا للحق لن يذره
مدثرا شافعا يوم
القيامة هل .. اتى نبي له هذا العلى ذخره
في المرسلات من
الكتب انجلى نبا .. عن بعثه سائر الأخبار قد سطره
ألطافه النازعات
الضيم في زمن .. يوم به عبس العاصي لما ذعره
إذ كورت شمس ذاك
اليوم وانفطرت .. سماؤه ودعت ويل به ألفجره
وللسماء انشقاق
والبروج خلت .. من طارق الشهب والأفلاك مستتره
فسبح اسم الذي
في الخلق شفعه .. وهل أتاك حديث الحوض إذ نهره
كالفجر في البلد
المحروس غرته .. والشمس من نوره الوضاح مستتره
والليل مثل الضحى
اذ لاح فيه الم .. نشرح لك القول في إخباره العطره
ولو دعا التين
والزيتون لابتدرا .. إليه في الحين واقرأ تستبن خبره
في ليلة القدر
كم قد حاز من شرف في الفخر لم يكن الإنسان قد قدره
كم زلزلت بالجياد
العاديات له .. ارض بقارعة التخويف منتشره
له تكاثر آيات
قد اشتهرت .. في كل عصر فويل للذي كفره
الم تر الشمس تصديقا
له حبست .. على قريش وجاء الروح إذ أمره
ارايت أن اله العرش
كرمه .. بكوثر مرسل في حوضه نهره
والكافرون إذا
جاء الورى طردوا .. عن حوضه فلقد تبت يدا الكفره
إخلاص أمداحه شغلي
فكم فلق .. للصبح أسمعت فيه الناس مفتخره
أزكى صلاتي على
الهادي وعترته .. وصحبه وخصوصا منهم عشره
========
زدني بفرطِ الحبِّ فيكَ تحيُّراً
زدني بفرطِ الحبِّ
فيكَ تحيُّرا وارحمْ حشى بلظي
هواكَ تسعَّرا
وإذا سألتكَ أنْ
أراكَ حقيقةً فاسمَحْ، ولا تجعلْ جوابي:لن
تَرَى
يا قلبُ!أنتَ وعدتَني
في حُبّهمْ صبراً فحاذرْ أنْ
تضيقَ وتضجرا
إنّ الغَرامَ هوَ
الحَياة ، فَمُتْ بِهِ صَبّاً، فحقّكَ
أن تَموتَ، وتُعذَرَا
قُل لِلّذِينَ
تقدّمُوا قَبْلي، ومَن بَعْدي، ومَن أضحى
لأشجاني يَرَى ؛
عني خذوا، وبيَ
اقْتدوا، وليَ اسْمعوا، وتحدَّثوا بصبابتي
بينَ الورى
ولقدْ خلوتُ معَ
الحبيبِ وبيننا سِرٌّ أرَقّ مِنَ
النّسيمِ، إذا سرَى
وأباحَ طرفي نظرةً
أمَّلتهـــا فغدوتُ معروفاً
وكنتُ منكَّرا
فدهشتُ بينَ جمالهِ
وجـلالهِ وغدا لسانُ الحالِ
عني مخبرا
فأدِرْ لِحاظَكَ
في مَحاسِن وَجْهِهِ، تَلْقَى جَميعَ
الحُسْنِ، فيهِ، مُصَوَّرا
لوْ أنّ كُلّ الحُسْنِ
يكمُلُ صُورَةً ، ورآهُ كانَ مهلَّلاً
ومكبَّراً
===========
أُشــاهدُ مَعنى حُســــنِكُم فَيَلَــذّ لي
أُشــاهدُ مَعنى
حُســــنِكُم، فَيَلَــذّ لي خضوعي لديكمْ في
الهوى وتذللي
وأشـــــتاقُ للمغنـــى
الَّـذي أنتمْ بهِ ولولاكُـــمُ ما
شـــاقَني ذِكْرُ مَنْزِلِ
فلِلّـــهِ، كَم
من لَيلَةٍ قــــــد قَطَعتُها بِلَــذّةِ عيــــشٍ
والــرّقيبُ بِمَعزلِ
ونقلي مـــدامي
والحبيبُ منادمـي وأقـــداحُ أفْـــراحِ
المَحَبّــةِ تَنجَلي
ونلتُ مُرادي فوقَ
ما كنتُ راجياً فواطَـرَبا لــو
تَمّ هــذا ودامَ لي
لَحاني عَذولي،
ليسَ يَعرِفُ ما الهوَى وأينَ الشـجيّ
المُستَهامُ مِن الخَلي
فدعني ومنْ أهوى
فقدْ ماتَ حاسدي وغــــابَ رقيبي
عندَ قربِ مواصلي
==========
أرى البُعدَ لم يُخْطِرْ سواكم على بالي
أرى البُعـدَ لم
يُخْطِرْ سـواكم على بالي وإنْ قَــرّبَ
الأخطارَ من جَسِـدي البالي
فيا حَبّـذا الأسقامُ،
في جَنْـبِ طاعَتي أوامِــرَ أشـواقي،
وعِصْيانِ عُـذّالي
ويا ما أَلَـذّ
الـذّلّ في عِــزّ وَصْـلِكُمْ، وإن عَــزّ، ما
أحلى تَقَطُّـعَ أوصالي
نأيتــمْ فحالي
بعدكمُ ظـلَّ عاطـلاً وما هـــوَ مِمّـا
ساء، بل سَرّكُم حالي
بَليتُ بِـــــهِ
لَمّـا بُليــتُ صَــــبابَةً أبلَّــتْ فلـي
منهـا صبابـةُ إبـــلالِ
نصبتُ على عيني
بتغميضِ جفنهـا لـزَورَةِ زُورِ
الطّيـفِ، حِيلةَ مُحتالِ
فما أسـعَفَتْ
بالغُمضِ، لكِن تعَسّـفتْ علـيَّ بدمـعٍ
دائـمِ الصَّـوبِ هطَّالِ
فيا مهجتـي ذوبي
على فقــــدِ بهجتي لِتَـرْحالِ آمالي،
ومَقْــدَمِ أوْجالي
وضِنّي بدَمْـعٍ،
قد غَنيتُ بِفَيضِ ما جـرى منْ دمي إذْ
طلَّ ما بينَ أطلالِ
ومَن لي بأن يَرْضَى
الحَبيبُ، وإن علا الـنّحيبُ، فإبْلالي
بَلائي وبَلْبالي
فما كَلَفي في
حُبّـهِ كُلفَـةً لَـهُ وإنْ جَـلّ ما
ألْقَـى من القيلِ والقالِ
بقيــتُ بـهِ لمَّا
فنيتُ بحبِّهِ بِثَرْوَةِ إيثاري،
وكَثْـرَةِ إقـلالي
رعــى اللهُ مغنىً
لمْ أزلْ في ربوعهِ معنًّـي وقلْ إنْ
شئتَ يا ناعـمَ البالِ
وحَيّا مُحَيّــا
عاذِلِ ليَ لـم يَزَلْ يُكَـرِّرُ مِن
ذِكْرَى أحاديثِ ذي الخالِ
رَوَى سُنّةً عندي
فأرْوى من الصّدى وأهدى الهُدى فاعجبْ
وقد رام إضلالي
فأحببتُ لـومَ
اللــؤمِ فيـهِ لوْ أنَّني منحتُ المنى كانتْ
علامـةَ عـُـذَّالي
جهلتُ بأنْ قلـتُ
اقتـرحْ يامعـذِّبي عليَّ فأجْلى لي
وقال اسل سلسالي
وهَيهاتِ أن أسلو،
وفي كُلّ شَـعْرَةٍ لحتفي غـرامُ مقبـلُ
أيَّ إقبالِ
وقالَ ليَ الَّلاحي
مرارةُ قصـدهِ تحَلّى بها:دَعْ
حُبّهُ، قُـلتُ:أحلى لي
بـذلتُ لـهُ روحي
لراحةِ قربـهِ وغيرُ عَجيبِ بَذْليَ
الغالِ في الغالي
فجادَ ولكن بالبُعـادِ،
لِشِـقْوَتي فيا خيبةَ المسعى
وضيعةَ آمالي
وحانَ لـهُ حيي
على حينِ غرَّةٍ ولمْ أدرِ أن الآلَ
يـذهبُ بالآلِ
تحكَّمَ في جسمي
النُّحولُ فلوْ أتى لقبضي رسولٌ ضلَّ
في موضعٍ خالِ
فلوْ هُمّ باقي
السّقمِ بي لاستَعانَ في تلافي بما حالتْ
لهُ منْ ضنى حالي
ولم يَبْقَ مِنّي
ما يُناجي تَوَهّمي سِوى عِزّ ذلّ
في مهانَةِ إجْلالِ
=========
ليلى العامرِيّـة
أوَميـــضُ بَـرْق ٍ بالاُبَيـــرق ِ لاحا ** أمْ فـــي رُبَى نجـد ٍ أرى مِصباحَا؟
أمْ تِلكَ ليلــى العامرِيّــــة ُ أسْـــفَرَتْ **ليلاً فصيّــــرتِ المســـــــاءَ صباحا
ياراكـــبَ الوَجْنــاءِ وقـّيـتَ الـرّدى ** إنْ جُبــتَ حُزْنا ً أو طـــوَيتَ بِطاحا
وسَــلَكتَ نَعمانَ الأراكِ فعُــــجْ إلى **واد ٍ هُنــــاكَ عَهِــدْتـُــــهُ فيــــّـاحا
فبأيمـــن ِ العلمين ِ مـــــــنْ شـرقيِّـهِ ** عـَـــرّجْ وأمَّ أرينـَــــــــهُ الفَـــوّاحا
وإذا وَصَلتَ إلى ثَنِيّــــــاتِ اللّــــوَى ** فانشـــــــدْ فؤادا ً بالأبيطــــح ِ طاحـا
واقــرِ السَّـــــلامَ أهيلـــــهُ عني وقلْ ** غادرتـــــــهُ لجناتكـــــــــــمْ ملتــاحا
يا ســـــاكنِي نَجـــــد ٍ، أما مِن رَحمَة ٍ ** لأســــيرِ إلــــــفٍ لا يـــــريدُ سراحا
هَـــــلاّ بَعَثْتُـــــمْ، لِلمَشُـــــــوقِ، تحيّة ً ** في طــــــيّ صافيَــة ِ الرّياحِ، رَواحا
يحيا بها منْ كانَ يحســــبُ هجركمْ ** مـَـــزحاً ويعتقــــــــدُ المزاحَ مزاحا
يا عاذلَ المشــــــــــتاقِ جهلا بالَّذي ** يلقـــى مليّــا ً لا بلغتَ نجـــــــــــاحا
أتعبتَ نفســـكَ في نصيحة ِ منْ يرى ** أنْ لا يــــــرى الإقبالَ والإفــــــلاحا
أقصِرْ، عدِمتُـكَ، واطّرحْ من أثخنتْ ** أحشــــــاءَهُ النُّجُلُ العُيــونُ جِراحا
كنـــتَ الصَّديقُ قبيلَ نصحكَ مغرماً ** أرأيتَ صبّـا يألفُ النُّصَّـــــــــــــاحا
إنْ رمـــــتَ إصلاحي فإنِّـــي لمْ أردْ ** لِفَســــــادِ قَلبي في الهَوَى ، إصْلاحا
ماذا يــــــــــــريدُ العاذلونَ بعذلِ منْ ** لَبِـــــــسَ الخَلاعَة َ، واستراحَ وراحا
يا أهلَ ودِّي هلْ لراحـــــي وصلكمْ ** طَمَـــــــــعٌ، فَينعَمَ بالهُ اســـــتِرْواحا
مـــذ غبتــــــــمُ عنْ ناظري ليَ أنَّة ٌ ** ملأتْ نواحـــيَ أرضِ مصرَ نواحا
وإذا ذَكَـــــــرْتُكُم أميلُ، كأنّنـــــــي ** مِـــــن طِيبِ ذِكْرِكُـمُ، سُقيتُ الرّاحا
وإذا دُعيتُ إلى تناســــــي عَهدِكُمْ ** ألفيتُ أحشــــــــــائي بذاكَ شحاحاً
ســـــقيا ً لأيَّام ٍ مضتْ معْ جيـــرة ٍ ** كانتْ ليالينا بهـــــمْ أفــــــــــــراحا
حيثُ الحمى وطني وسكَّانُ الغضا **سَـــــكَني، وَوِردي الماءَ فيهِ مُباحا
وأُهَيلـُـــهُ أربــــي، وظِــــــلُّ نخيلِهِ ** طربـــــي ورملــة ُ وادييــهِ مراحا
واهــاً على ذاكَ الــــــزَّمانِ وطيبهِ ** أيَّامَ كنتُ منَ الُّلغـــــــــوبِ مراحا
قســـــــماً بمكَّة َ والمقامِ ومنْ أتى ** الْـبيتَ الحــــــرامَ ملبِّيـــا ً ســيَّاحا
ما رَتَحتْ ريـحُ الصِّبا شيحَ الرُّبى ** إلاّ وأهْـــــــدَتْ منكُـــــــمُ أرواحا
==========
شربنا على ذكرِ الحبيبِ مدامة
شربنا على ذكرِ
الحبيبِ مدامة ** سَكِرْنا بها من قبلِ أن يُخلق الكَرمُ
لها البدرُ كأسٌ
وهيَ شمسٌ يديرها ** هِلالٌ وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجمُ
ولولا شذاها ما
اهتديتُ لحانها ** ولو لا سناها ما تصوَّرها الوهمُ
ولم يُبْقِ مِنها
الدَّهْرُ غيرَ حُشاشَة ** كأنَّ خَفاها، في صُدورِ النُّهى كَتْمُ
فإنْ ذكرتْ في
الحيِّ أصبحَ أهلهُ ** نشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثمُ
ومنْ بينِ أحشاءِ
الدِّنانِ تصاعدتْ ** ولم يَبْقَ مِنْها، في الحَقيقَة إلاّ اسمُ
وإنْ خَطَرَتْ
يَوماً على خاطِرِ امرِىء ** أقامَتْ بهِ الأفْراحُ، وارتحلَ الهَمُ
ولو نَظَرَ النُّدمانُ
ختْمَ إنائِها ** لأسكرهمْ منْ دونها ذلكَ الختمُ
ولو نَضَحوا مِنها
ثَرى قَبْرِ مَيتٍ ** لعادَتْ إليهِ الرُّوحُ، وانْتَعَشَ الجسْمُر
ولو طرحوا في فئِ
حائطِ كرمها ** عليلاً وقدْ أشفى لفارقهُ السُّقمُ
ولوْ قرَّبوا منْ
حلها مقعداً مشى ** وتنطقُ منْ ذكري مذاقتها البكمُ
ولوْ عبقتْ في
الشَّرقِ أنفاسُ طيبها ** وفي الغربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ
ولوْ خضبتْ منْ
كأسها كفُّ لامسٍ **لما ضلَّ في ليلٍ وفي يدهِ النَّجمُ
ولوْ جليتْ سرَّاً
على أكمهٍ غداً ** بصيراً ومنْ راو وقها تسمعُ الصُّمُّ
ولو أنّ ركْباً
يَمّمَوا تُرْبَ أرْضِها ** وفي الرَّكبِ ملسوعٌ لماضرَّهُ السمُّ
ولوْ رسمَ الرَّقي
حروفَ اسمها على ** جبينِ مصابٍ جنَّ أبرأهُ الرَّسمُ
وفوقَ لِواء الجيشِ
لو رُقِمَ اسمُها ** لأسكرَ منْ تحتَ الِّلوا ذلكَ الرَّقمُ
تُهَذّبُ أخلاقَ
النّدامى فيَهْتَدي ** بها لطريقِ العزمِ منْ لالهُ عزمُ
ويَكْرُمُ مَنْ
لم يَعرِفِ الجودَ كَفُّهُ ** ويَحلُمُ، عِندَ الغيظِ، مَن لا لَهُ حِلْمُ
ولو نالَ فَدْمُ
القَوْمِ لَثْمَ فِدامِها ** لَأكسَبَهُ مَعنى شَمائِلِها اللّثْمُ
يقولونَ لي صفها
فأنتَ بوصفها ** خَبيرٌ، أجَلْ! عِندي بأوصافِها عِلْمُ
صفاءٌ، ولا ماءٌ
ولُطْفٌ ولاهَواً ** ونورٌ ولا نارٌ وروحٌ ولا جسمُ
تقدَّمَ كلَّ الكائناتِ
حديثها قديماً ** ولا شَكلٌ هناكَ ولا رَسْمُ
وقامَتْ بِها الأشْياءُ،
ثَمّ، لحِكْمَةٍ ** بها احتجبتْ عنْ كلِّ منْ لالهُ فهمُ
وهامتْ بها روحي
بحيث تمازجا ** اتّحاداً ولا جرمٌ تخلَّلهُ جرمُ
وكَرْمٌ ولا خَمْرٌ
ولي أُمُّها أُمُّ ** وكرمٌ ولا خمرٌ وفي أمِّها أمُّ
ولُطْفُ الأواني
في الحَقيقَة تابِعٌ ** للطفِ المعاني والمعاني بها تنمو
وقدْ وقَعَ التَّفريقُ
والكُلُّ واحِدٌ ** فأرواحنا خمرٌ وأشباحنا كرمُ
ولا قبلها قبلٌ
ولا بعدَ بعدها ** وقبليَّة الأبعادِ فهيَ لها حتمُ
وعَصْرُ المَدى
منْ قَبْلِهِ كان عصْرها ** وعهدُ أبينا بعدها ولها اليتمُ
محاسِنُ، تَهْدي
المادِحينِ لِوَصْفِها ** فَيَحسُنُ فيها مِنهمُ النَّثرُ والنّظمُ
ويَطرَبُ مَن لم
يَدرِها عندَ ذِكرِها ** كمُشْتاقِ نُعْمٍ كلّما ذُكِرَتْ نُعْمُ
وقالوا شربتَ الإثمَ
كلاَّ وإنَّما ** شَرِبتُ التي في تَرْكِها عندي الإثمُ
هنيئاً لأهلِ الديرِ
كمْ سكروا بها ** وما شربوا منها ولكنَّهمْ همُّوا
وعنديَ منها نشوة
قبلَ نشأتي ** معي أبداً تبقي وإنْ بلى العظمُ
عليكَ بها صرفاً
وإنْ شئتَ مزجها ** فعدلكَ عنْ ظلمِ الحبيبِ هوَ الظُّلمُ
فدونَكَها في الحانِ
واسْتَجلِها بهِ ** على نغمِ الألحانِ فهيَ بها غنمُ
فما سَكَنَتْ والهَمّ،
يوماً بِمَوضِعٍ ** كذلِكَ لم يَسكُنْ، معَ النّغْمِ، الغَمُّ
وفي سكرة منها
ولو عمرَ ساعة ** تَرى الدَّهْرَ عَبداً طائِعاً
ولَكَ الحُكْمُ
فلا عيشَ في الدُّنيا
لمنْ عاشَ صاحياً ** ومنْ لمْ يمتْ سكراً بها فاتهُ الحزمُ
على نفسهِ فليبكِ
منْ ضاعَ عمرهُ ** وليسَ لهُ فيها نصيبٌ ولا سهمُ
==========
أبَرْقٌ بدا منْ جانِبِ الغَوْرِ لامعُ
أبَرْقٌ بدا منْ
جانِبِ الغَوْرِ لامعُ ** أمِ ارْتَفَعتْ عنْ وجهِ ليلي البراقِعُ
نعمْ أسفرتْ ليلاً
فصارَ بوجهها ** نهاراً بهِ نورُ المحاسنِ ساطعُ
ولمَّا تجلَّتْ
للقلوبِ تزاحـمتْ ** على حُسنها للعاشقينَ مطامعُ
لِطلعتها تَعْنُو
البدورُ ووجْهُها ** لهُ تسجدُ الأقمارُ وهيَ طوالعُ
تجمَّعتِ الأهواءُ
فيها وحُسنها ** بديعٌ لأنواعِ المحاسنِ جامعُ
سكرتُ بخمرِ الحبِّ في حانِ حَيِّها ** وفي خمرهِ
للعاشقينَ منافعُ
تواضَعْتُ ذلاًّ وانخِفاضاً لِعزِّها ** فَشَرَّفَ
قَدْري في هواها التَّواضعُ
فإنْ صرتُ مَخفوضَ
الجنابِ فحبُّها ** لِقَدْرِ مَقامي في المحبَّةِ رافِعُ
وإنْ قَسَمَتْ
لي أنْ أعيشَ متيَّماً ** فشوقي لها بينَ المحبِّينَ شائعُ
يقولُ نساءُ الحيِّ
: أينَ دِيارهُا ؟ ** فقلتُ : دِيارُ العاشقينَ بلاقِعُ
فإنْ لمْ يكنْ
لي في حِماهنَّ مَوْضِعٌ ** فلي في حِمى ليلى بليلي مواضِعُ
هوَى أُمِّ عمرٍو
جَدَّدَ العُمرَ في الهوَى ** فها أنا فيهِ بَعدَ أنْ شِبْتُ يافِعُ
ولمَّا تراضَعْنا
بِمَهْدِ وَلائِها ** سَقَتْنا حُمَيَّا الحُبِّ فيهِ مراضعُ
وألقى علينا القربُ
منها مَحَبَّةً ** فهلْ أنتَ يا عَصْرَ التَّراضعِ راجعُ
وما زِلتُ مذْ
نيطَتْ عليَّ تَمائمي ** أبايِعُ سُلطانَ الهَوَى وأتابعُ
لقدْ عرَفَتني
بالوَلا وعرَفتُها ** ولي ولها في النَّشأتينِ مَطالِعُ
وإنِّي مُذْ شاهَدْتُ
في جَمالها ** بِلَوْعَةِ أشْواقِ المَحَبَّةِ وَالِعُ
وفي حضرةِ المحبوبِ
سرِّي وسرُّها ** معاً ومَعانيها علينا لوامِعُ
وكلُّ مَقامٍ في
هواها سلَكتُهُ ** وما قطَعَتني فيه عنها القَواطِعُ
بِوادي بَوادي
الحُبِّ أرْعى جَمالَها ** ألا في سبيلِ الحبِّ ما أنا صانعُ
صبرتُ على أهوالِهِ
صَبرَ شاكِرٍ ** وما أنا في شئٍ سوَى البُعدِ جازعُ
عزيزةَ مِصْرِ
الحُسنِ إنَّا تجارهُ ** وليسَ لنا إلاَّ النُّفوسَ بضائعُ
لأرضكَ فوَّزنا
بها فتصدَّقي ** علينا فقدْ نَمَّتْ علينا المدامعُ
عسى تَجعَلي التَّعويضَ
عنها قَبولَها ** لِيَرْبَحَهُ مِنَّا مَبيعٌ وبائِعُ
خليليَّ إنِّي
قدْ عَصَيتُ عَواذِلي ** مُطيعٌ لأمْرِ العامِريَّةِ سامعُ
فقولا لها : إنِّي
مُقيمٌ على الهَوَى ** وإنِّي لِسُلطانِ المحبَّةِ طائعُ
وقولا لها : يا
قُرَّةَ العينِ هلْ إلى ** لِقاكَ سبيلٌ ليسَ فيهِ موانعُ؟
ولي عندها ذَنْبٌ
برؤيةِ غيرها ** فهلْ لي إلى ليلى المليحةِ شافعُ
سَلا هلْ سَلا
قلبي هَواها وهلْ لهُ ** سِواها إذا اشتدَّتْ عليهِ الوقائعُ؟
فيا آل ليلى ضيفكمْ
ونزيلكمْ ** بحيِّكمُ يا أكرمَ العُرْبِ ضارعُ
قِرَاهُ جَمالٌ
لا جِمالٌ وإنَّهُ ** برؤيةِ ليلى مُنْيَةِ القلبِ قانعُ
إذا ما بَدَتْ
ليلى فكلِّي أعْيُن ** وإنْ هيَ ناجتني فكلِّي مَسامِعُ
ومِسْكُ حديثي
في هَواها لأهلِهِ ** يَضوعُ ، وفي سَمعِ الخليِّينَ ضائعُ
تجافتْ جُنوبي
في الهوى عنْ مضاجعي ** ألا أنْ جفتني في هَواها المضاجعُ
وسِرْتُ بركبِ
الحُسنِ بينَ محاملِ ** وهَوْدَجُ ليلى نورُها منهُ ساطعُ
ونادَيْتُ لمَّا
أنْ تبدَّى جَمالُها ** لعَمْرُكَ يا جَمَّالُ
قلبيَ قاطعُ
فسيروا على سَيري
فإنِّي ضعيفُكمْ ** وراحِلَتي بينَ الرَّواحلِ ضالِعُ
ومِلْ بي إليها
يا دليلُ فإنَّني ** ذليلٌ لها في تِيهِ عِشقيَ واقِعُ
لَعَلّيَ مِنْ
ليلى أفوزُ بنظرةٍ ** لها في فؤادِ المُسْتهامِ مواقعُ
وألتذُّ فيها بالحديثِ
ويَشتفي ** غليلُ عليلٍ في هواها يُنازعُ
فيا أيُّها النَّفسُ
الَّتي قدْ تحجَّبتْ *** بذاتي وفيها بَدرُها لي طالعُ
لئنْ كنتِ ليلى
إنَّ قلبي عامرٌ ** بحبِّكِ مجنونٌ بوَصْلِكِ طامعُ
رأى نسخةَ الحسنِ
البديعِ بذاتِهِ ** تَلوحُ فلا شئٌ سواها يُطالعُ
فيا قلبُ شاهدْ
حُسنها وجَمالها ** ففيها لأسرارِ الجَمالِ وَدائعُ
تنقلْ إلى حقِّ
اليقينِ تنزُّهاً ** عن النَّقلِ والعقلِ الَّذي هو قاطعُ
فإحياءُ أهلِ الحبِّ
موتُ نفوسِهمْ ** وقوتُ القلوبِ العاشقينَ مصارعُ
وكمْ بينَ حُذَّاقِ
الجدالِ تَنازُعٌ ** وما بَينَ عُشَّاقِ الجَمالِ تنازعُ
وصاحِبْ بموسَى
العَزْمِ خِضْرَ ولائها، ** ففيهِ إلى ماءِ الحياةِ منافعُ
فأنتَ بها قَبلَ
الفِراق مُنَبّىءٌ ** بتأويلِ عِلمٍ فيكَ منهُ بدائعُ
لقدْ بسطتْ في
بحرِ جسمكَ بَسطةً ** أشارتْ إليها بالوفاءِ أصابعُ
فيا مُشتَهاها
أنتَ مقياسُ قُدْسِها ** وأنتَ بها في روضةِ الحسنِ يانعُ
فقَرِّي بهِ يا
نَفْسُ عيناً فإنَّهُ ** يحدِّثني والمُؤنِسونَ هواجعُ
فما أنتِ نفسٌ
بالعُلا مُطمئنَّةٌ ** وسِرُّكِ في أهلِ الشهادةِ ذائعُ
لقدْ قُلْتَ في
مَبدا ألَسْتُ بِرَبِّكمْ ** بَلى قدْ شَهِدْنا والوَلا مُتتابعُ
فيا حبَّذا تلكَ
الشهادةُ إنَّها ** تُجادِلَ عَنِّي سائِلي وتُدافعُ
وأنجو بها يومَ
الوُرودِ فإنَّها ** لقائِلِها حِرْزٌ مِنَ النَّارِ مانعُ
هيَ العُرْوَةُ
الوُثْقَى بها فتَمَسَّكي ** وحَسْبي بها أنِّي إلى اللهِ راجعُ
فيا رَبُّ بالخِلِّ
الحبيبِ ، نبيِّنا ** رَسولِكَ وهوَ السيِّدُ المتواضعُ
أنِلْنا معَ الأحبابِ
رؤيتكَ الَّتي ** إليها قلوبُ الأولياءِ تسارعُ
فبَابُكَ مَقصُودٌ
وفَضْلُكَ زَائِدٌ ** وجُودُكَ مَوْجودٌ وعَفوُكَ وَاسِعُ
سيدى ابن الفارض
رضى الله عنه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق