سيدى السلطان إبراهيم بن أدهم رضى الله عنه
![]() |
سيدى السلطان إبراهيم بن أدهم رضى الله عنه وأقواله المشهورة |
هو ابن إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر وقيل
ابن عامر - العجلي التميمي - فهو عربي كريم الحسب .
ولم يحدد الرواة سنة ميلاده واختلفوا في مسقط رأسه فمنهم
من قال بأنه ولد ببلخ ومنهم من قال بمولده في مكة حين كانا والداه يحجان وأن أمه طافت
به في المسجد الحرام قائلة للناس : ادعو لابني أن يجعله الله رجلاً صالحاً .
واختلف كذلك في حال أبيه فذكر بعض المؤرخون أنه كان شريفاً
وثرياً من أثرياء كورة بلخ وروى البعض أنه كان أميراً عربياً على خراسان وأنه ورث الإمارة
من أبيه، وأن الإمارة قد سعت إليه دون رغبة منه .
وقد تباينت الروايات حول زهد سيدى إبراهيم وأسبابه ومن أكثر
الروايات شهرة حول تزهده ما أورده ابن عساكر هي : أنه خرج مع بعض أصحابه إلى الصيد
، وبينما كان يكر ويفر جاداً إثر أرنب يروم رميه ، إذ بهاتف من وراء الغيب يناديه باسمه
قائلاً : " يا إبراهيم ( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً ، وإنكم إلينا لا ترجعون
) يا إبراهيم ألهذا خلقت أم لهذا أمرت بها فلم يبالي في بادئ الأمر . فعاوده الثانية
والثالثة . فشد لجام فرسه ووقف حائراً من شدة الجزع . ثم هتف به الرابعة . فآمن آنئذٍ
أنه صوت الحق و نذير من رب العالمين , و اطمأنت نفسه من بعد اضطراب , فرجع إلى أهله
, ثم جاء إلى راعٍ لأبيه فألقى إليه ما يلبس من حلل الإمارة و حليها , و أخذ منه أطماره
و لف جسمه بها و هام على وجهه .
لقد ساح سيدى إبراهيم في الأمصار الإسلامية ، فجاب خراسان
والعراق وقصد الحجاز فزار قبر الرسول الكريم وعرج على مكة المكرمة فحج وقيل بأنه أثناء
سياحته في مكة قام بخدمة الإمام الباقر، وروي أيضاً بأنه كان من بين المشيعين للإمام
الصادق وقد صحب في مكة سفياناً الثوري والفضل ابن عياض ، وقيل أنه قدم مصر ومر بالاسكندرية
ثم صارإلى بلاد الشام وقد نقل عنه بأنه كان يردد دائماً قوله : ( ما تهنيت بالعيش إلا
في بلاد الشام أفر بديني من شاهق إلى شاهق فمن رآني يقول حمال وموسوس) قد قضى مدة طويلة
من حياته فيها متنقلاً بين ربوعها .
سئل مرة ومذ كم نزلت الشام ؟ فأجاب منذ أربع وعشرين سنة وما
نزلت فيها إلا لأشبع خبز الحلال . طوف في سهولها وجبالها ومدنها وقراها ، وزار بيت
المقدس ، وقيسارية وغزة ، وطبرية والرملة وعكا ، وعسقلان ، والناقورة وأقام بعض الوقت
في صور وصيدا وبيروت والتقى في الأخيرة الإمام الأوزاعي وصحبه وزار الأردن وقضى مدة
من الزمن في دمشق وحمص والرستن ورابط في إنطاكية ومرعش والمصيصة وطرسوس وسوقين ، وفي
بعض العواصم والثغور الأخرى ، ويبدو أنه ألقى عصا التسيار في الساحل السوري ولا سيما
في جبلة قبل أن يلقى وجه ربه الكريم .
تعمق سيدى إبراهيم في دراسة القرآن الكريم وغاص في أعماق
الدين الحنيف فاستخرج جواهر حقائقه الآخروية والدنيوية ومثله الإنسانية السامية وفقه
الحديث الشريف ورواه ، وتتبع سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسلوك آله وأصحابه
الطاهرين فنهج نهجهم وتثقف ثقافة عربية واسعة فكان بليغاً فصيحاً ، ورجع إلى أصالته
العربية ، فعمل بمناقبها ومآثرها الخلقية ، فكان رجلاً فذاً بين الرجال ، كان قوي الإيمان
بالله ، فقد قال صاحبه سفيان الثوري حينما سئل عنه : " إن إبراهيم بن أدهم يشبه
إبراهيم خليل الرحمن ، ولو كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان رجلاً فاضلاً
له سرائر" .
وهو محدث وراوية ثقة ، وثقه النسائي والدار قطني وخرج له
البخاري والترمذي وروى عن جماعة من التابعين وتابعي التابعين ، منهم يزيد الرقاشي وعمرو
بن عبد الله سبيعي ، ويحيى بن سعد الأنصاري وروى عنه جماعة من المحدثين منهم شقيق البلخي
وبقية بن الوليد و إبراهيم بن بشار وغيرهم .
وقد كان عالماً جليلاً وعاملاً مجداً متواضعاً محققاً قوله
: " اطلبوا العلم للعمل فإن أكثر الناس قد غلطوا حتى صار علمهم كالجبال وعملهم
كالذر " وقوله : " ما صدق الله عبد أحب الشهرة بعلم أو عمل أو كرم
" .
وعرف عنه التأدب والصدق والسخاء والإيثار . فقال مضاء بن
عيسى : " ما فاق إبراهيم بن أدهم إلا بالصدق والسخاء " .
وعن رحمته بالناس فكان يقول : " المواساة من أخلاق المؤمنين
" ويقول ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة فمن لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه
، فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن " .
وكان مجاهداً شجاعاً رابط في العواصم والثغور ، وخاض المعارك
ضد البيزنطيين .
فكان صادقاً في زهده ، راض نفسه على الصبر وجاهدها وغالبها
، فقهرها وكبح جماح شهواتها وأهوائها ، وقد عبر إبراهيم عن ذلك بقوله : " ما قاسيت
، في الدنيا ، شيئاً أشد علي من نفسي ، مرة علي ، ومرة لي وأما أهوائي فقد استعنت بالله
عليها واستكفيت سوء مغالبتها فكفاني والله ما أس علي ما أقبل من الدنيا ولا ما أدبر
منها " .
عاش سيدى إبراهيم كما أراد أن يعيش فقيراً معدماً محروماً
، أما الطعام فكان يقنع منه بالبلغة وما يسد الريق فكان يربأ بنفسه أن يأكل إلا من
كد يمينه وعرق جبينه .
كان يرتدي فرواً ليس تحت القميص ـ وكان يلبس مرقعةً تزن ستين
رطلاً ، وكان يلبس في الصيف شقتين بأربعة دراهم يتزر بواحدة ويرتدي بأخرى ـ ولم يك
يعتمر عمامة أو ينتعل خفين ، كان إذا تجرد للجهاد يأبى أن يركب دابةً ، وسار إلى حلبة
القتال ماشيا فكان فارساً شجاعاً ، ومقاتلاً باسلاً وشارك في غزوات كثيرة منها غزاة
عباس الإنطاكي ، غزاة محكاف ، فقد روي عنه بأنه قال للصحابة عشية موته وهم في عرض البحر
يقاتلون البيزنطيين : أوترو لي قوساً فأوتروه فقبض عليه فمات وهو قابض عليه يريد أن
يرمي العدو به .
هكذا كانت خاتمة سيرة هذا الولى الزاهد واالمتصوف والمجاهد
المؤمن سيدى إبراهيم بن الأدهم وهو القائل : " من عرف ما طلب هان عليه ما يبذل
" ودفن في جبلة وأقيم له فيها مقام كبير , و يقام عنده مسجد جامع كبير باسمه يقصده
الناس من جميع الأمصار .
ومن أقواله وعظاته رضى الله عنه
يقول رضي الله عنه : " ليس من أعلام الحب أن تحب ما
يبغض حبيبك، ذمّ مولانا الدني فمدحناها، وأبغضها فأحببناها، وزهّدنا فيها فآثرناها
ورغبنا في طلبها، وعدكم خراب الدنيا فحصنتموها، ونُهيتم عن طلبها فطلبتموها ، وأنذرتم
الكنوز فكنزتموها دعتكم إلى هذه الغرارة دواعيها ، فأجبتم مسرعين مناديها، خدعتكم بغرورها
وفتنتكم فأنفذتم خاضعين لأمنيتها ، تتمرغون في زهواتها وتتمتعون في لذاتها، وتتقلبون
في شهواته وتتلوثون بتبعاتها، تنبشون بمخالب الحرص عن خزائنها ، وتحفرون بمعاول الطمع
في معادنها، وتبنون بالغفلة في أماكنها ، وتحصّنون بالجهل في مساكنها ، وأنتم غرقى
في بحار الدنيا ،
حيارى تتمتعون في لذاتها وتتنافسون في غمراتها، فمن جمعها ما تشبعون، ومن التنافس منها
ما تملّون، كذبتكم والله أنفسكم وغرّتكم ومنّتكم الأماني، وعللتكم بالتواني حتى لا
تعطوا اليقين من قلوبكم والصدق من نياتكم ، وتتنصتون اليه من مساوىء ذنوبكم وتعصونه
في بقية أعمالكم أما سمعتم الله تعالى يقول في محكم كتابه: {أَمْ نَجْعَلُ الذينَ ءَامَنوا
وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كالمُفْسِدينَ في الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَقينَ كالفُجَّارِ(28)}
[سورة ص].
لا تُنال جنته إلا بطاعته، ولا تنال ولايته إلا بمحبته ،
ولا تنال مرضاته إلا بترك معصيته ، فإن الله تعالى قد أعدّ المغفرة للأوابين، وأعد
الرحمة للتوابين، وأعدّ الجنة للخائفين ، وأعدّ الحور للمطيعين، وأعدّ رؤيته للمشتاقين
قال الله تعال: {وإِنِّى لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ
اهْتَدَى(82)} [سورة طه]".
"خالفتم الله فيما أنذر وحذر، وعصيتموه فيما نهى وأمر،
وإنّما تحصدون ما تزرعون، وتجنون ما تغرسون، وتُكافأون بما تفعلون ، وتُجزوْنَ بما
تعملون ، فاعلموا إن كنتم تعقلون، وانتبهوا من رقدتكم لعلكم تفلحون، الحذر الحذر!!
الجدّ الجدّ!! كونوا على حياء من الله ، فوالله لقد ستر وأمهل وجاد فأحسن " .
جاءه أهل البصرة يومًا وقالوا له: يا إبراهيم.. إن الله تعالى
يقول في كتابه : {ادعوني أستجب لكم} (غافر: 60) ونحن ندعو الله منذ وقت طويل فلا يستجيب
لنا ؟! فقال لهم إبراهيم بن أدهم : يا أهل البصرة ، ماتت قلوبكم في عشرة أشياء :
أولها : عرفتم الله، ولم تؤدوا حقه .
الثاني : قرأتم كتاب الله، ولم تعملوا به .
الثالث : ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتركتم
سنته.
الرابع : ادعيتم عداوة الشيطان، ووافقتموه .
الخامس : قلتم : نحب الجنة ، ولم تعملوا لها .
السادس : قلتم : نخاف النار، ورهنتم أنفسكم بها .
السابع : قلتم : إن الموت حق، ولم تستعدوا له .
الثامن : اشتغلتم بعيوب إخوانكم، ونبذتم عيوبكم .
التاسع: أكلتم نعمة ربكم، ولم تشكروها .
العاشر : دفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بها .
إبراهيم بن أدهم رضى الله عنه يعظ شابا
مر شاب بإبراهيم بن أدهم ( رضى الله عنه ) وهو يعظ الناس
فقال الشاب لإبراهيم بن أدهم يا إبراهيم انى احب فتاة جميلة فقال له يا بنى لا جمال
تراه الا فانيا فاشغل نفسك بالجمال الاعظم تذوب في الوجود وتختلط بحقائق الامور فقال
له الشاب يصف له جمال محبوبته ..
فقال له آه لو رايت عينيها او دانيت وجنتيها آه لو رأيت ثغرها
وهى تبتسم لكانت عذابك الدئم الذى تحبه
فقال له إبراهيم بن أدهم
يا مسكين آه لو رايتها بعد الموت بلحظات وقد تغير لونها وشحب
وجهها واصفر بياضها واهطل خدها لذهل عقلك و آه لو رايتها بعد موتها بثلاثة ايام وقد
تعفن جسدها ونتن ريحها وتمزق لحمها وسرح الدود فى ما كنت تشتهيه من محارمها فماذا انت
فاعل وقتها يا مسكين
يا فتى
تزود من التقوى فانك لا تدرى
اذا ما جن ليل هل تعيش الى الفجر
فكم من فتى امسى واصبح ضاحكا
وقد خيطت له اثواب من الكفن
وكم من عروس زينوها لزوجها
وقد قبضت ارواحهم ليلة القدر
وكم من صغير يرتجى طول عمره
وقد ادخل جسده في ظلمت القبر
وكم من صحيح مات من غير علت
وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من ملك رفعت له العلامات
فلما علا مات
هى الدنيا لا تأمنن مكرها
فلو بقيت لأحد لكان رسول الله خير باق
توفي سيدى إبراهيم
بن أدهم رضى الله عنه سنة 162 هـ
رضى الله تعالى عن سيدى السلطان
إبراهيم بن أدهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق