الإمام الحسن البصري d
سيد التابعين : الإمام الحسن بن يسار البصري d
إمام وقاضي ومحدّث
من علماء التابعين ومن أكثر الشخصيات البارزة في عصر صدر الإسلام. سكن البصرة، وعظمت
هيبته في القلوب فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم، ولا يخاف في الحق لومة لائم.
ولد عام21 هـ
/ 642 م بالمدينة المنورة
وتوفى عام 110 هـ / 728 م بالبصرة
هو الحسن بن يسار، أبو سعيد، وكان أبوه مولى زيد بن ثابت
الأنصاري، وقيل مولى أبي اليسر كعب بن عمرو السلمي. وهو من أهل ميسان، عراقي ، سكن
أبوه المدينة وأُعتِق وتزوج بها في خلافة عمر بن الخطاب فولد له بها الحسن لسنتين بقيتا
من خلافة عمر.
تنقل الإمام الحسن البصري بين أكثر من مدينة حيث كان مسقط
رأسه في المدينة المنورة ونشأته إلى أن سافر إلى كابل عندما اتجهوا إلى فتحها، كما
عمل كاتبًا للربيع في خراسان وكان ذلك في عهد معاوية بن أبي سفيان، بعدها استقر في
البصرة حتى حصل علي لقبه البصري وأصبح يعرف باسم "الحسن البصري".
مولده ونشأته :
ولد قبل سنتين من نهاية خلافة عمر بن الخطاب d في المدينة عام واحد وعشرين
من الهجرة، وأمه خيرة مولاة لأم سلمة أم المؤمنين كانت تخدمها، وربما أرسلتها في حاجاتها
فيبكي الحسن وهو رضيع فتشاغله أم سلمة برضاعته لتسكته، وبذلك رضع من أم سلمة، فكانوا
يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة من أم المؤمنين
زوجة رسول الله.
وكانت أم سلمة تخرجه إلى الصحابة فيدعون له، ودعا له عمر
بن الخطاب ، فقال: " اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس ".
حفظ الحسن القرآن في العاشرة من عمره، ونشأ في الحجاز بين
الصحابة، ورأى عدداً منهم وعاش بين كبارهم، مما دفعه إلى التعلم منهم، والرواية عنهم،
وحضر الجمعة مع عثمان بن عفان d وسمعه يخطب، وشهد يوم استشهاده يوم تسلل عليه قتلته الدار، وكان عمره أربع
عشرة سنة.
وفي سنة 37 هـ انتقل إلى البصرة، فكانت بها مرحلة التلقي
والتعلم، حيث استمع إلى الصحابة الذين استقروا بها، وفي سنة 43 هـ عمل كاتبا في غزوة
لأمير خراسان الربيع بن زياد الحارثي لمدة عشر سنوات، وبعد رجوعه من الغزو استقر في
البصرة حيث أصبح أشهر علماء عصره ومفتيها حتى وفاته.
انفصل عنه تلميذه واصل بن عطاء وكون الحلقة الأولى لمذهب
المعتزلة، وكان سبب ذلك أن واصلاً ابن عطاء سأل الحسن البصري عن عصاة الموحدين فقال
الحسن: "هم تحت المشيئة إن شاء الله عذبهم وإن شاء غفر لهم"، فقال واصل :
" بل هم في منزلة بين المنزلتين "، ثم اعتزل حلقته، فقال الحسن البصري
"اعتزلنا واصل"، فسميت فرقته منذ ذلك الحين بالمعتزلة.
صفاته وشمائله :
كان الإمام الحسن
البصري dحسن الصورة، بهي
الطلعة، وكان عظيم الزند، قال محمد بن سعد: "كان الحسن فقيها، ثقة، حجة، مأمونا،
ناسكا، كثير العلم، فصيحا، وسيما". وكان من الشجعان الموصوفين في الحروب، وكان
المهلب بن أبي صفرة يقدمهم إلى القتال، واشترك الحسن في فتح كابور مع عبد الرحمن بن
سمرة رضى الله عنهم أجمعين .
قال أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري".
وقال الغزالي: "وكان الحسن البصري أشبه الناس كلاما
بكلام الأنبياء، وأقربهم، هديا من الصحابة، وكان غايةً في الفصاحة، تتصبب الحكمة من
فيه". (أي من فمه)
كان الحسن كثير الحزن، عظيم الهيبة، قال أحد أصحابه :
"ما رأيت أحدا أطول حزنا من الحسن، ما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة ".
كان يقول : " نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض
أعمالنا ".
فقال: " لا أقبل منكم شيئاً، ويحك يا ابن آدم، هل لك
بمحاربة الله طاقة؟ إن من عصى الله فقد حاربه، والله لقد أدركت سبعين بدرياً، لو رأيتموهم
قلتم مجانين، ولو رؤوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، ولو رؤوا شراركم لقالوا ما
يؤمن هؤلاء بيوم الحساب".
قال حمزة الأعمى: "وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي،
وربما جئت إليه وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه فقلت له يوماً إنك تكثر البكاء، فقال:
يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة. فإن استطعت
أن تكون عمرك باكيا فافعل، لعله تعالى أن يرحمك". ثم ناد الحسن: "بلغنا أن
الباكي من خشية الله لا تقطر دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار".
عن حفص بن عمر قال: "بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال:
أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي".
أما عن سبب حزنه فيقول الحسن: "يحق لمن يعلم أن الموت
مورده، وأن الساعة موعده، وأن القيام بين يدي الله تعالى مشهده، أن يطول حزنه".
روى الطبراني عنه أنه قال: "إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة،
رجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة. يقول أحدهم: إني لحسن الظن
بالله وأرجو رحمة الله، وكذب، ولو أحسن الظن بالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله
لطلبها بالأعمال الصالحة، يوشك من دخل المفازة (الصحراء) من غير زاد ولا ماء أن يهلك".
وجاء شاب إلى الحسن فقال: "أعياني قيام الليل (أي حاولت
قيام الليل فلم أستطعه)"، فقال: "قيدتك خطاياك". وجاءه آخر فقال له:
"إني أعصي الله وأذنب، وأرى الله يعطيني ويفتح علي من الدنيا، ولا أجد أني محروم
من شيء"، فقال له الحسن: "هل تقوم الليل؟ فقال: لا، فقال: كفاك أن حرمك الله
مناجاته".
كان يقول: "من علامات المسلم قوة دين، وجزم في العمل
وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحسن في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة
(جوع) وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة. لا ترديه
رغبته ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يقلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه
لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نغيته".
قال له رجل: "إن قوماً يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة
فيك سبيلاً (أي يتصيدون الأخطاء)". فقال: "هون عليك يا هذا، فإني أطمعت نفسي
في الجنان فطمعت، وأطمعتها في النجاة من النار، فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس
فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق
مثلهم؟".
سُئل الحسن عن النفاق فقال: "هو اختلاف السر والعلانية،
والمدخل والمخرج، ما خافه إلا مؤمن (أي النفاق) ولا أمنه إلا منافق".
وكان الإمام الحسن البصري dيصوم الأيام البيض، والأشهر الحرم، والإثنين والخميس.
قيل عنه :
سُئل أنس بن مالكd عن مسألة فقال: "سلوا مولانا الحسن"، قالوا: "يا أبا حمزة
نسألك، تقول: سلوا الحسن؟" قال: "سلوا مولانا الحسن فإنه سمع وسمعنا فحفظ
ونسينا". وقال أيضاً: "إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين الحسن البصري
ومحمد بن سيرين".
وقال قتادة d:
"وما جالست رجلاً فقيها إلا رأيت فضل الحسن عليه"، وكان الحسن مهيباً يهابه
العلماء قبل العامة.
علمه
لقد كان الحسن أعلم أهل عصره، يقول قتادة : "ما جمعت
علمه إلى أحد العلماء إلا وجدت له فضلا عليه، غير أنه إذا أشكل عليه كتب فيه إلى سعيد
بن المسيب يسأله، وما جالست فقيها قط إلا رأيت فضل الحسن".
من أقوال الإمام الحسن البصري d:
1- من طلب العلم لله، لم يلبث أن يُرى ذلك في خُشوعه وزُهده
وتواضعه.
2- احرصوا على حضور الجنائز، فإن فيها ثلاثة أجور: أجرا لمن
عزى، وأجرا لمن صلى، وأجرا لمن وارى.
3- أيها الناس إياكم والتسويف، فإني سمعت بعض الصالحين يقول:
نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب، ثم لا نتوب حتى نموت!
4- أعزُّ الأشياءِ: درهم حلال، وأخٌ في الله إن شاورته في
دنياك وجدته متين الرأي، وإن شاورته في دينك وجدته بصيرا به.
5- من تسربَلَ العقلَ أمِنَ الهَلَكَة.
6- المغبون من غُبِنَ عقلُهُ.
7- إصحبِ الناس بمكارم الأخلاق، فإن الثواءَ بينهم قليل.
8- اثنان لا يصطحبان أبدا: القناعةُ والحسدُ، واثنان لا يفترقان
أبدا: الحِرصُ والحسد.
9- يسود الرجل بعقله وبحيائه وحِلمِه.
10- لا تأتِ إلا من تأمُل نائلَه، أو تخافُ سطوته، أو ترجو
بركَةَ دُعائه، أو تقتبسُ من علمِه.
11- إن هذا الدين قوي، وإن الحق ثقيل، وإن الإنسان ضعيف،
فليأخذ أحدكم ما يُطيق، فإن العبد إذا كَلَّفَ نفسه من العمل فوق طاقتها، خاف عليها
السآمة والترك.
12- المرضُ زكاةُ البدن، كما أن الصدقة زكاةُ المال، فكُلُّ
جسمٍ لا يشتكي كمثل مالٍ لا يُزّكَّى.
13- أفضل العمل الفكرةُ والورع، فمن كانت حياته كذلك، نجا
وإلا فليحتسب حياته.
14- الفكرةُ مرآةٌ تُريكَ حَسَنَتَك، ومن اعتمد عليها أفلح،
ومن أغفلها افتُضح.
15- لولا النسيان لكثر الفقهاء.
16- احذر ثلاثة لا تُمَكِّن الشيطان فيها من نفسك: لا تخلونَّ
بامرأة ولو قُلتَ: أُعَلِّمُها القرآن، ولا تدخل على السلطان ولو قلت: آمره بالمعروف
وأنهاه عن المنكر، ولا تجلس إلى صاحب بدعة، فإنه يُمرض قلبك، ويُفسد دينك.
17- تفقد الحلاوة في ثلاثة: في الصلاة، والقراءة، والذكر،
فإن وجدت ذلك فامض وأبشر، وإلا فاعلم أن بابك مغلقٌ فعالج فتحه.
18- لولا ثلاثة ما طأطأ ابنُ آدم رأسه: الموتُ والمرض والفقرُ،
وإنه بعد ذلك لوثَّاب.
19- أيها الناس! إنها والله ما خُلِقنا للفناء، ولكنا خُلقنا
للبقاء، وإنما نُنقلُ من دار لدار.
20- من وقَّرَ صاحبَ بدعة، فقد سعى في هدم الإسلام.
21- احذروا العابد الجاهل، والعالم الفاسق، فإن فيهما فتنةً
لكل مفتون.
22- ابن آدم! لا يغرنك أن تقول: المرء مع من أحب، فإنك لن
تلحق الأبرار إلا بأعمالهم، وإن اليهود والنصارى ليحبون أنبياءهم، ولا والله ما يحشرون
معهم، ولا يدخلون في زمرتهم، وإنهم لحَصَبُ جهنم هُم لها واردون.
23- لا تزال هذه الأمة بخير، ولا تزال في كَنَفِ الله وستره،
وتحت جناح ظِلِّه ما لم يرفُق خِيارُهُم بشرارهم، ويُعَظِّم أبرارهم فُجارهم، ويَمِل
قُراؤهم إلى أمرائهم، فإذا فعلوا ذلك، رُفعت يدُ الله عنهم، وسُلِّطَ عليهم الجبابرة
فساموهم سوء العذاب، ولعذاب الآخرة أشق وأبقى، وقُذِفَ في قلوبهم الرعب.
24- يحاسِبُ الله سبحانه المؤمنين يوم القيامة بالمِنَّة
والفضل، ويُعَذِّب الكافرين بالحُجَّة والعَدل.
25- يا عجبا لألسنة تصِفُ، وقلوبٍ تَعرِفُ، وأعمالٍ تُخالفُ
26- من دخل مداخل التُّهمة، لم يكن له أجر الغيبة.
27- من أحبَّ أن يعلم ما هو فيه؟ فليَعرِض عمله على القرآن،
ليتبين له الخُسران من الرُّجحان.
28- رحم الله عبدا عرض نفسه على كتاب الله، فإن وافق أمره،
حَمِدَ الله، وسأله المزيد، وإن خالف، استَعتَبَ ورجع من قريب.
29- يا عجبا لابن آدم! حافظاه على رأسه، لسانُهُ قَلَمُهُما،
وريقُهُ مدادهما، وهو بين ذلك يتكلم بما لا يعنيه.
30- ابن آدم! إن اللبيب لا يمنعُهُ جِدُّ الليل من جِدُّ
النهار، ولا جِدُّ النهار من جِدُّ الليل، قد لازم الخوفُ قلبه، إلى أن يرحمه رَبُّه.
31- إياكم والمدح
فإنه الذبح.
32- ما أنصف رَبَّهُ عبدٌ اتَّهمهُ في نفسه، واستبطأهُ في
رزقه.
33- لا شيء أولى بأن تقيده من لسانك، ولا شيء أولى بألا تَقبَلَهُ
من هواك.
34- ما الدابة الجموح
بأحوجَ إلى اللجام المُمسك من نفسك.
35- ابنَ آدم! إنك لست بسابق أجَلَكَ، ولا بمغلوبٍ على رزقِكَ،
ولا بمرزوقٍ ما ليس لك، فَلِمَ تكدح؟ وعلامَ تقتُلُ نفسك؟
36- مَن لم يُجَرِّبِ الأمور خُدِعَ، ومن صارَعَ الحق صُرِع.
37- ابن آدم بين ثلاثة أشياء: بِلِيَّةٌ نازلة، ونِعمةٌ زائلة،
ومَنِيَّةٌ قاتلة.
38- ابنُ آدمَ غَرَضٌ
للبلايا والرزايا والمنايا، ثم ينتحب ويبكي ويقول( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ).
39- ابن آدم! قَدِّم ما شئت من عملٍ صالح أو غيره، فإنك قادمٌ
عليه، وأخِّر ما شئت أن تُؤَخِّر فإنك راجعٌ إليه.
40- من أدرك آخر الزمان، فليكن حِلسا من أحلاس بيته.
41- ما لي أسمع حسيسا، ولا أرى أنيسا؟!
42- من ذَمَّ نفسه في الملأ فقد مدحها، وبِئسَ ما صنع.
43- ثلاثة من قواصم الظهر: إمامٌ تُطيعه فَيُضِلُّكَ، وجارٌ
إن عَلِمَ خيرا ستره، وإن علم شرا نشره، وفقرٌ ظاهرٌ لا يجد صاحبُهُ مُتَلَذَّذا.
44- إذا رأيت في ولدك ما تكره، فاستَعتِب ربك، وتُب إليه،
فإنما ذلك شيء أُرِدتَ به أنت.
45- إذا أظهر الناس العلم، وضيَّعوا العمل، وتحابوا بالألسن،
وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا في الأرحام، لعنهم الله – جل ثناؤه- فأصمهم وأعمى أبصارهم.
46- هُجرانُ الأحمق
قُربةٌ إلى الله، ومواصلةُ العاقل إقامةٌ لدين الله، وإكرامُ المؤمن خِدمةٌ لله، ومُصارمةُ
الفاسق عونٌ من الله.
47- لا تَكُن شاةُ الراعي أعقل منك، تَزجُرُها الصيحة، وتطرُدُها
الإشارة.
48- المؤمن لا يلهو حتى يغفل، فإذا تفكر حزن.
49- من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده صلاته
من الله- عز وجل – إلا بُعدا، ولم تزده عنده- جل ثناؤه- إلا مقتا.
50- المُراعي لعَمَلِهِ كالمُدافع في الحرب عن نفسه، بل مُراعاة العمل أفضلُ وأكثر أجرا.
كان للحسن مجلسان للعلم :
- مجلس خاص بمنزله،
- ومجلس عام في المسجد يتناول فيه الحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة وغيرها وكان تلاميذه كثر.
رأى الحسن عددا كبيرا من الصحابة وروى عنهم مثل : النعمان
بن بشير، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس، ونتيجة لما سبق فقد لقبه عمر بن عبد
العزيز بسيد التابعين حيث يقول : " لقد وليت قضاء البصرة سيد التابعين".
أما السيدة عائشة وعندما سمعته يتكلم قالت: " من هذا
الذي يتكلم بكلام الصديقين ؟ ".
كتب الحسن إلى رجل من الزهاد يقال له عبد الرحيم أو عبد الرحمن
بن أنس الرمادي كان يسكن مكة وكان له فضل ودين وذكر ولم يكن له في الدنيا عمل إلا عبادة
الله تعالى وأنه أراد الخروج من مكة إلى اليمن فبلغ ذلك الحسن وكان يواخيه في الله
تعالى فكتب إليه كتابا يرغبه في المقام بمكة زادها الله شرفا فكان ذلك هو الكتاب الوحيد
الذي ظهر من مؤلفاته وهو بعنوان فضائل مكة.
مواقفه
عاش الحسن الشطر الأكبر من حياته في دولة بني أمية، وكان
موقفه متحفظاً على الأحداث السياسية، وخاصة ما جرّ إلى الفتنة وسفك الدماء، حيث لم
يخرج مع أي ثورة مسلحة ولو كانت باسم الإسلام، وكان يرى أن الخروج يؤدي إلى الفوضى
والاضطراب، وفوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لا يرتكب في استبداد سنين، ويؤدي الخروج
إلى طمع الأعداء في المسلمين، ولأن الناس يخرجون من يد ظالم إلى ظالم، وإن شق إصلاح
الحاكم فما زال إصلاح المحكومين يسير. أما إن كان الحاكم ورعاً مطبقاً لأحكام الله
مثل عمر بن عبد العزيز، فإن الحسن ينصح له، ويقبل القضاء في عهده ليعينه على أداء مهمته.
كتب الحسن لعمر بن عبد العزيز ينصحه فقال : " فلا تكن
يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد أئتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال
وشرد العيال، فأفقر أهله وبدد ماله". ولقد عنف الحسن البصري طلبة العلم الشرعي
الذين يجعلون علمهم وسيلة للاستجداء، فقال لهم : "والله لو زهدتم فيما عندهم،
لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم، فزهدوا فيما عندكم".
توفي الحسن عشية يوم الخميس في الأول من رجب سنة عشر ومائة
للهجرة وعاش ثمان وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة، صلى عليه المسلمون عقب صلاة الجمعة،
ويقع مرقده في البصرة.
المصادر :
حلية الأولياء(2/131) ،طبقات الصوفية للمناوي(1/254) الطبقات
الكبرى للشعراني(1/29) ، طبقات ابن سعد( 7 / 156) ، المعرفة والتاريخ( 2 / 32 ) ، وفيات
الأعيان( 2 / 69) تاريخ الإسلام( 4 / 98) ، تذكرة الحفاظ ( 1 / 66) ، البداية والنهاية(
9 / 266 )، تهذيب التهذيب( 2 / 263) ، النجوم الزاهرة( 1 / 267) ، طبقات الحفاظ للسيوطي
ص 28، شذرات الذهب (1 / 136) ، (المنتظم 2/378).سير أعلام النبلاء (4/563)
(آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه، ابن الجوزي) .
الإمام الحسن البصري d
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق