البردة
من هو ناظم البردة ( مؤلفها ) ؟
محمد بن سعيد البوصيري رضي الله عنه
هو الإمام العلامة العارف بالله الصادق في محبة رسول الله. سيدي محمد بن
سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صنهاج بن هلال الصنهاجي (نسبة إلى صنهاجه بلدة
ببلاد البربر بالمغرب الأقصى) كان أحد أبويه من دلاص والآخر من بوصير. وهما قريتان
من قرى صعيد مصر فنسب إليهما فقيل له الدلاصيري ولكنه شُهر بعد ذلك بالبوصيري.
وكان مولده في الأولى ومرباه في الثانية. ولد رضى الله عنه بدلاص في أول
شوال سنة 608 هجرية وتوفي سنة 695 ودفن بالإسكندرية فكان عمره حين وفاته 87 سنة.
تعلم في صباه الكتابة والقراءة وحفظ القرءان الكريم وتلقى مبادئ العلوم وتدرج في
علم الأدب والكتابة فبرز في الشعر والنثر تبريزا حببه إلى حكام مصر فولوه بعض
الأعمال الكتابية في مديرية الشرقية ببلبيس وقد كان في أول عهده يسلك في شعره
مسالك الشعراء من مدح وذم وشكوى. ولكنه في كهولته تزهد واتصل بالإمام الواصل
العارف بالله سيدي أبي العباس أحمد بن عمر المرسي الأنصاري مريد سيدي أبو الحسن
الشاذلى رضى الله عنه فصفت نفسه وصلح أمره وخلص لعبادة ربه. وفُتحَ عليه في مدح
رسول الله صلى الله عليه وسلم فمدحه بقصائد تزهو على شعر الفحول بالسهولة والجمال
والجلال طار بها صيته وخلد بها ذكره.
فمنها البردة وهي (القصيدة الميمية) التي نحن بصدد شرحها والتي نظمها في
علة أصابته فبريء منها بسببها إذ أنشدها على رسول الله في المنام فخلع عليه بردته
الشريفة ومسح على جسده فعوفي لوقته ومنها الهمزية التي جمعت سيرة النبي مفصلة
وغيرهما مما هو مشهورٌ معروف لدى الخاص والعام نفعنا الله بالممدوح والمادح في دار
الدنيا ودار السلام... آمين.
حكاية البردة
قصيدة البردة أو قصيدة البُرأة أو الكواكب الدريَّة في مدح خير البرية،
أحد أشهر القصائد في مدح سيدنا النبي ﷺ ...
كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي
عشر الميلادي. وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد
المديح النبوي إن لم تكن أفضلها ، حتى قيل: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعر العربي
بين العامة والخاصة. وقد انتشرت هذه القصيدة انتشارًا واسعًا في البلاد الإسلامية،
يقرأها بعض المسلمون في معظم بلاد الإسلام كل ليلة جمعة. وأقاموا لها مجالس عرفت
بـ مجالس البردة الشريفة، أو مجالس الصلاة على النبي.
يقول الدكتور زكي مبارك: «البوصيري بهذه البردة هو الأستاذ الأعظم لجماهير
المسلمين، ولقصيدته أثر في تعليمهم الأدب والتاريخ والأخلاق، فعن البردة تلّقى
الناس طوائف من الألفاظ والتعابير غنيت بها لغة التخاطب، وعن البردة عرفوا أبوابًا
من السيرة النبوية، وعن البردة تلّقوا أبلغ درس في كرم الشمائل والخلال. وليس من
القليل أن تنفذ هذه القصيدة بسحرها الأخاذ إلى مختلف الأقطار الإسلامية، وأن يكون
الحرص على تلاوتها وحفظها من وسائل التقرب إلى الله والرسول». وعلى الرغم من أن
بردة البوصيري لها هذا التبجيل والمكانة الأدبية، إلا أن علماء السلفية عابوا على
القصيدة ما يرون أنه غلو في مدح النبي محمد ﷺ.
سبب نظم هذه القصيدة
يقول البوصيري عن سبب نظمه لهذه القصيدة: كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها ما اقترحه عليّ الصاحب زين الدين يعقوب بن
الزبير، ثم اتفق بعد ذلك أن داهمني الفالج (الشلل النصفي) فأبطل نصفي، ففكرت في
عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وكررت إنشادها،
ودعوت، وتوسلت، ونمت فرأيت النبي فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة،
فانتبهت ووجدتُ فيّ نهضة، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً، فلقيني
بعض الفقراء فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، فقلت: أي قصائدي؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال:
والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة. فأعطيته إياها. وذكر الفقير ذلك وشاعت الرؤيا.
أجزاء القصيدة
تقع قصيدة البردة في عشرة فصول هي بالترتيب:
الفصل الأول : في الغزل وشكوى الغرام.
الفصل الثاني : في التحذير من هوى النفس.
الفصل الثالث : في مدح سيد المرسلين .
الفصل الرابع: في مولــده .
الفصل الخامس: في معجزاته .
الفصل السادس : في شـرف القرآن ومدحه.
الفصل السابع : في إسرائه ومعراجه .
الفصل الثامن : في جهاد النبي .
الفصل التاسع : في التوسل بالنبي .
الفصل العاشر : في المناجاة وعرض الحاجات.
الملهمين بالبردة
ألهمت البردة الكثيرين من الشعراء والأدباء والعوام على مر العصور، وأشهر
من نهج على نهج البوصيري
هو أمير الشعراء أحمد شوقي، يقول في مطلعها:
ريم على القاع بين البان والعلم *** احل سفك دمي في الأشهر الحرم
و الشاعر المعاصر تميم البرغوثي انشأ قصيده البرده ابياتها 200 بيت و صوت
القافيه مولاي صلي و سلم دائما ابدا و من ابياتها
لَولا الهَوَى لَمْ نَكُنْ نُهدِي ابْتِسَامَتَنَا *** لِكُلِّ من
أَوْرَثُونا الهَمَّ والكَمَدَا
شُرَّاحها
شرح قصيدة البردة عدد كبير من أئمة السنة واعتنوا بها اعتناء كبيرا، فمنهم:
-شهاب الدين القسطلاني
-جلال الدين المحلي
-الزركشي
-اللغوي خالد الأزهري
-إبراهيم الباجوري
-النحوي ابن هشام الحنبلي المتوفى
-محمد بن أحمد ابن مرزوق التلمساني
-ابن العماد الحنبلي: صاحب كتاب "شذرات الذهب"
-زكريا الأنصاري
-محمد علي بن علاَّن الصدّيقي المكي
-علاء الدين البسطامي
-محمد بن عبد الله بن مرزوق المالكي المغربي
-القاضي بحر بن رئيس الهاروني المالكي.
-علي القصاني
-ابن حجر الهيتمي
ومن المعاصرين
-الشيخ عمر عبد الله كامل
-الشيخ محمد عيد عبد الله يعقوب الحسيني
-وقد شرحها الشيخ علي عثمان جرادي الصيداوي
ومنهم من عارض البردة كشوقي، ومنهم من قام بتشطيرها، أو تخميسها، أو
تسبيعها ليستمد منها العطاء في مدحه لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وظلت
"بردة المديح" للإمام البوصيري هي النبع الصافي الذي يشرب منه المادحون
لخير الأنام على الدوام.
و قصيدة البردة المسماة "بالكواكب الدرية في مدح خير البرية"
للإمام البوصيري
قد سبعها الامام الشيرازى :
فالبيت الشعرى يتكون من شطرين
مثل : أمن تذكر جيران بذي سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
فأضاف اليها المؤلف خمسة أشطر ليصبح سبعة أشطر هكذا:
الله يعلم ما بالقلب من ألم * ومن غرام بأحشاء ومن سقم
على فراق فريق حل في الحرم * فقلت لما همى دمعي بمنسجم
...............على العقيق عقيقا غير منحسم ...................
أمن تذكر جيران بذي سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
وقد انشد هذا التسبيع الشيخ العطوانى رحمه الله وامتعنا
والآن مع القصيدة ومعانى بعض الكلمات
قصيدة البردة «1»
قافية الميم، وقال يمدح سيدن النبي، صلى الله عليه وسلّم؛ وهي من أشهر
شعره. وهذه القصيدة تعرف بالبردة أو بالبرأة. وقد وفد بها على النبيّ، صلى الله
عليه وسلّم، وهو مريض، فعوفي من وقته وساعته.
1 أمن تذكّر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
2 أم هبّت الريح من تلقاء كاظمة ... وأومض البرق في الظلماء من إضم
3 فما لعينيك إن قلت اكففا همتا ... وما لقلبك إن قلت استفق يهم
4 أيحسب الصّبّ أنّ الحبّ منكتم ... ما بين منسجم منه ومضطرم «2»
5 لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل ... ولا أرقت لذكر البان والعلم
6 فكيف تنكر حبّا بعدما شهدت ... به عليك عدول الدّمع والسّقم
7 وأثبت الوجد خطّي عبرة وضنى ... مثل البهار على خدّيك والعنم «3»
8 نعم سرى طيف من أهوى فأرّقني ... والحبّ يعترض اللّذات بالألم
9 يا لائمي في الهوى العذريّ معذرة ... منّي إليك ولو أنصفت لم تلم
10 عدتك حالي لا سرّى بمستتر ... عن الوشاة ولا دائي بمنحسم «4»
__________
(1) القصيدة كما جاءت بالديوان ص: 238- 249
(2) المنسجم الدمع السائل. والمضطرم القلب: المشتعل بالحب.
(3) البهار: ورد أصفر. والعنم: ورد أحمر.
(4) عدتك: تجاوزتك. ومنحسم: منقطع.
________________________________________
11 محّضتني النّصح لكن لست أسمعه ... إنّ المحبّ عن العذّال في صمم «1»
12 إنّي اتهمت نصيح الشّيب في عذل ... والشّيب أبعد في نصح عن التهم
13 فإنّ أمّارتي بالسّوء ما اتّعظت ... من جهلها بنذير الشّيب والهرم «2»
14 ولا أعدّت من الفعل الجميل قرى ... ضيف ألمّ برأسي غير محتشم
15 لو كنت أعلم أنّي ما أوقّره ... كتمت سرّا بدا لي منه بالكتم «3»
16 من لي بردّ جماح من غوايتها ... كما يردّ جماح الخيل باللّجم
17 فلا ترم «4» بالمعاصي كسر شهوتها ... إنّ الطّعام يقوّي شهوة النّهم
18 والنّفس كالطّفل إن تهمله شبّ على ... حبّ الرّضاع وإن تفطمه ينفطم
19 فاصرف هواها وحاذر أن تولّيه ... إنّ الهوى ما تولّى يصم أو يصم «5»
20 وراعها وهي في الأعمال سائمة ... وإن هي استحلت المرعى فلا تسم «6»
21 كم حسّنت لذّة للمرء قاتلة ... من حيث لم يدر أنّ السّمّ في الدّسم
22 واخش الدّسائس من جوع ومن شبع ... فربّ مخمصة شرّ من التّخم «7»
23 واستفرغ الدّمع من عين قد امتلأت ... من المحارم والزم حمية النّدم «8»
24 وخالف النّفس والشّيطان واعصهما ... وإن هما محّضاك النّصح فاتّهم
25 ولا تطع منهما خصما ولا حكما ... فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
26 أستغفر الله من قول بلا عمل ... لقد نسبت به نسلا لذي عقم
27 أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت فما قولي لك استقم
__________
(1) محضتني النصح: أخلصته.
(2) الأمارة بالسوء: هي النفس.
(3) الكتم: نبت يخضب به كالحناء.
(4) لا ترم: لا تقصد ولا تطلب.
(5) أن توليه. تجعله واليا عليك. ويصم: يقتل؛ من أصمي. ويصم: يعيب؛ من وصم.
(6) السوم: الرعي في العشب المباح.
(7) المخمصة: الجوع.
(8) الحمية عن الشيء: الامتناع عنه.
________________________________________
28 ولا تزوّدت قبل الموت نافلة ... ولم أصلّ سوى فرض ولم اصم
29 ظلمت سنّة من أحيا الظّلام إلى ... أن اشتكت قدماه الضّرّ من ورم
30 وشد من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الأدم «1»
31 وراودته الجبال الشّمّ من ذهب ... عن نفسه فأراها أيّما شمم
32 وأكّدت زهده فيها ضرورته ... إنّ الضّرورة لا تعدو على العصم «2»
33 وكيف تدعو إلى الدّنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدّنيا من العدم
34 محمّد سيّد الكونين ... والثّقلين والفريقين من عرب ومن عجم
35 نبيّنا الامر النّاهي فلا أحد ... أبرّ في قول «لا» منه ولا «نعم»
36 هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكلّ هول من الأهوال مقتحم
37 دعا إلى الله فالمستمسكون به ... مستمسكون بحبل غير منفصم
38 فاق النّبيّين في خلق وفي خلق ... ولم يدانوه في علم ولا كرم
39 وكلّهم من رسول الله ملتمس ... غرفا من البحر أو رشفا «3» من الدّيم
40 وواقفون لديه عند حدّهم ... من نقطة العلم أو من شكلة الحكم «4»
41 فهو الذي تمّ معناه وصورته ... ثمّ اصطفاه حبيبا باريّ النّسم»
42 منزّه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
43 دع ما ادّعته النّصارى في نبيّهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
44 وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
45 فإنّ فضل رسول الله ليس له ... حدّ فيعرب عنه ناطق بفم
46 لو ناسبت قدره آياته عظاما ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرّمم
__________
(1) السغب: الجوع. والكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع. والمترف: المنعم.
(2) العصم: جمع عصمة، وهي الحفظ.
(3) الرشف: المص. والديم: جمع ديمة، وهي المطر.
(4) الحكم جمع حكمة وهي وضع الأشياء في مواضعها.
(5) النسم: جمع نسمة، وهي الإنسان.
________________________________________
47 لم يمتحنّا بما تعيا العقول به ... حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم «1»
48 أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ... في القرب والبعد فيه غير منفحم «2»
49 كالشّمس تظهر للعينين من بعد ... صغيرة وتكلّ الطّرف من أمم «3»
50 وكيف يدرك في الدّنيا حقيقته ... قوم نيام تسلّوا عنه بالحلم
51 فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلّهم «4»
52 وكلّ آي أتى الرّسل الكرام بها ... فإنما اتّصلت من نوره بهم
53 فإنّه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للناس في الظّلم
54 أكرم بخلق نبيّ زانه خلق ... بالحسن مشتمل بالبشر متّسم «5»
55 كالزّهر في ترف والبدر في شرف ... والبحر في كرم والدهر في همم
56 كأنّه وهو فرد من جلالته ... في عسكر حين تلقاه وفي حشم
57 كأنّما اللّؤلؤ المكنون في صدف ... من معدني منطق منه ومبتسم
58- لا طيب يعدل تربا ضمّ أعظمه ... طوبى لمنتشق منه وملتثم «6»
59 أبان مولده عن طيب عنصره ... يا طيب مبتدإ منه ومختتم
60 يوم تفرّس فيه الفرس أنّهم ... قد أنذروا بحلول البؤس والنّقم «7»
61 وبات إيوان كسرى وهو منصدع ... كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
62 والنّار خامدة الأنفاس من أسف ... عليه والنّهر ساهي العين من سدم «8»
__________
(1) لم نهم: لم نضل.
(2) المنفحم: الساكت عجزا في المناظرة.
(3) تكل: تتعب. أمم: قرب.
(4) مبلغ العلم: غايته.
(5) متسم: متصف.
(6) طوبى من الطيب قلبوا الياء واوا لضمة ما قبلها. والمنتشق: من يشمه،
والملتثم: من يقبله.
(7) تفرس: تعرف بالظن الصائب.
(8) ساهي: ساكن. والسدم: الحزن.
________________________________________
63- وساء ساوة أن غاضت بحيرتها ... وردّ واردها بالغيظ حين ظمي «1»
كأنّ بالنار ما بالماء من بلل ... حزنا وبالماء ما بالنّار من ضرم «2»
65 والجنّ تهتف والأنوار ساطعة ... والحقّ يظهر من معنى ومن كلم
66 عموا وصمّوا فإعلان البشائر لم ... تسمع وبارقة الإنذار لم تشم «3»
67 من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم ... بأنّ دينهم المعوجّ لم يقم
68 وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب ... منقضّة وفق ما في الأرض من صنم «4»
69 حتى غدا عن طريق الوحي منهزم ... من الشياطين يقفو إثر منهزم
70 كأنهم هربا أبطال أبرهة ... أو عسكر بالحصى من راحتيه رمي
71 نبذا به بعد تسبيح ببطنهما ... نبذ المسبّح من أحشاء ملتقم
72 جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ... تمشي إليه على ساق بلا قدم
73 كأنّما سطرت سطرا لما كتبت ... فروعها من بديع الخطّ في اللّقم
74 مثل الغمامة أنّى سار سائرة ... تقيه حرّ وطيس للهجير «5» حمي
75 أقسمت بالقمر المنشقّ إنّ له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم
76 وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكلّ طرف من الكفّار عنه عمي
77 فالصّدق في الغار والصّدّيق لم ير ما ... وهم يقولون ما بالغار من أرم
«6»
78 ظنّوا الحمام وظنّوا العنكبوت على ... خير البريّة لم تنسج ولم تحم
79 وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدّروع وعن عال من الأطم «7»
80 ما سامني الدّهر ضيما واستجرت به ... إلّا ونلت جوارا منه لم يضم
__________
(1) ساوة: مدينة في بلاد فارس بين همذان والري.
(2) الضرم: الالتهاب.
(3) تشم: تنظر.
(4) الوفق: الموافق، أي المماثل.
(5) د. بالهجيز.
(6) لم يرما: لم يبرحا. وأرم على وزن كتف: العلم والأثر.
(7) الأطم: الحصون.
________________________________________
81 ولا التمست غنى الدّارين من يده ... إلّا استلمت النّدى من خير مستلم
82 لا تنكر الوحي من رؤياه إنّ له ... قلبا إذا نامت العينان لم ينم «1»
83 وذاك حين بلوغ من نبوّته ... فليس ينكر فيه حال محتلم «2»
84 تبارك الله ما وحي بمكتسب ... ولا نبيّ على غيب بمتّهم
85 كم أبرأت وصبا باللّمس راحته ... وأطلقت أربا من ربقة اللّمم «3»
86 وأحيت السّنة الشّهباء دعوته ... حتى حكت غرّة في الأعصر الدّهم «4»
87 بعارض جاد أو خلت البطاح بها ... سيب من اليمّ أو سيل من العرم «5»
88 دعني ووصفي آيات له ظهرت ... ظهور نار القرى ليلا على علم
89 فالدّرّ يزداد حسنا وهو منتظم ... وليس ينقص قدرا غير منتظم
90 فما تطاول آمال المديح إلى ... ما فيه من كرم الأخلاق والشّيم «6»
91 آيات حقّ من الرّحمن محدثة ... قديمة صفة الموصوف بالقدم «7»
92 لم تقترن بزمان وهي تخبرنا ... عن المعاد وعن عاد وعن إرم
93 دامت لدينا ففاقت كلّ معجزة ... من النّبيّين إذ جاءت ولم تدم
94 محكّمات فما تبقين من شبه ... لذي شقاق وما تبغين من حكم
95 ما حوربت قطّ إلّا عاد من حرب ... أعدى الأعادي إليها ملقي السّلم
96 ردّت بلاغتها دعوى معارضها ... ردّ الغيور يد الجاني عن الحرم
97 لها معان كموج البحر في مدد ... وفوق جوهره فس الحسن والقيم
__________
(1) يقول: إن رؤيا النبي في المنام هي وحي من عند الله.
(2) المحتلم: الذي يرى الحلم في النوم، فحلم النبي كما يقول وحي لا ينكر.
(3) الوصب: المريض. والأرب: المحتاج. والريقة أصلها الحبل. واللمم: الجنون.
(4) السنة الشهباء: المجدبة.
(5) أوخلت. أي: إلى أن خلت. والبطاح: جمع أبطح، وهو مسيل الماء. والسيب:
الجري. العرم: الوادي.
(6) تطاول إلى كذا: طلب الوصول إليه.
(7) محدثة: إنزالها محدث.
________________________________________
98 فما تعدّ ولا تحصى عجائبها ... ولا تسام على الإكثار بالسّأم
99 قرّت بها عين قاريها فقلت له ... لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
100 إن تتلها خيفة من حرّ نار لظى ... أطفأت نار لظى من وردها الشّبم
101 كأنّها الحوض تبيضّ الوجوه به ... من العصاة وقد جاؤوه كالحمم
102 وكالصّراط وكالميزان معدلة ... فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
103 لا تعجبن لحسود راح ينكرها ... تجاهلا وهو عين الحاذق الفهم
104 قد تنكر العين ضوء الشّمس من رمد ... وينكر الفمّ طعم الماء من سقم
105 يا خير من يمّم العافون ساحته ... سعيا وفوق متون الأينق الرّسم «1»
106 ومن هو الاية الكبرى لمعتبر ... ومن هو النّعمة العظمى لمغتنم
107 سريت من حرم ليلا إلى حرم ... كما سرى البدر في داج من الظّلم
108 وبتّ «2» ترقى إلى أن نلت منزلة ... من قاب قوسين لم تدرك ولم ترك
109 وقدّمتك جميع الأنبياء بها ... والرّسل تقديم مخدوم على خدم
110 وأنت تخترق السّبع الطّباق بهم ... في موكب كنت فيه صاحب العلم
111 حتى إذا لم تدع شأوا لمستبق ... من الدّنوّ ولا مرقى لمستنم «3»
112 خفضت كلّ مقام بالإضافة إذ ... نوديت بالرّفع مثل المفرد العلم «4»
113 كيما تفوز بوصل أيّ مستتر ... عن العيون وسرّ أيّ مكتتم
114 فحزت كلّ فخار غير مشترك ... وجزت كلّ مقام غير مزدحم
115 وجلّ مقدار ما ولّيت من رتب ... وعزّ إدراك ما أوليت من نعم
116 بشرى لنا معشر الإسلام إنّ لنا ... من العناية ركنا غير منهدم
117 لمّا دعا الله داعينا لطاعته ... بأكرم الرّسل كنّا أكرم الأمم
__________
(1) العافون: طلاب الرزق. والأينق: النياق. والرسم: التي ترسم الأرض: أي:
تعلمها.
(2) د: فظت.
(3) المستنم: طالب الرفعة إلى السنام، وهو أعلى الشيء.
(4) بالإضافة إلى مقامك. والرفع الارتفاع وفيه تورية برفع الإعراب عن
النحاة.
________________________________________
118 راعت قلوب العدا أنباء بعثته ... كنبأة أجفلت غفلا من الغنم
119 ما زال يلقاهم في كلّ معترك ... حتى حكوا بالقنا لحما على وضم «1»
120 ودّوا الفرار فكادوا يغبطون به ... أشلاء شالت مع العقبان والرّخم
121 تمضي اللّيالي ولا يدرون عدّتها ... ما لم تكن من ليالي الأشهر الحرم
122 كأنّما الدّين ضيف حلّ ساحتهم ... بكلّ قرم إلى لحم العدا قرم «2»
123 يجرّ بحر خميس فوق سابحة ... يرمي بموج من الأبطال ملتطم «3»
124 من كلّ منتدب لله محتسب ... يسطو بمستأصل للكفر مصطلم «4»
125 حتّ غدت ملّة الإسلام وهي بهم ... من بعد غربتها موصولة الرّحم
126 مكفولة أبدا منهم بخير أب ... وخير بعل فلم تيتم ولم تئم «5»
127 هم الجبال فسل عنهم مصادمهم ... ماذا رأى منهم في كلّ مصطدم
128 وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا ... فصول حتف لهم أدهى من الوخم»
129 المصدري البيض حمرا بعد ما وردت ... من العدا كلّ مسودّ من اللّمم «7»
130 والكاتبين بسمر الخطّ ما تركت ... أقلامهم حرف جسم غير منعجم
131 شاكي السّلاح لهم سيمى تميّزهم ... والورد يمتاز بالسّيمى عن السّلم
«8»
132 تهدي إليك رياح النّصر نشرهم ... فتحسب الزّهر في الأكمام كلّ كمي
133 كأنّهم في ظهور الخيل نبت ربا ... من شدّة الحزم لا من شدّة الحزم «9»
__________
(1) الوضم: كل خشبة يقطع عليها اللحم.
(2) القرم: السيد. والقرم: بالتحريك شدة الشهوة إلى اللحم.
(3) السابحة: الخيل.
(4) المنتدب: المجيب.
(5) التأيم: فقدان الزوج.
(6) الوخم: الوباء.
(7) اللمم: جمع لمة وهي الشعر إذا جاوز الأذن.
(8) السيمى: العلامة. والسلم: نوع من الشجر.
(9) الحزم: قوة الثبات. والحزم جمع حزام: وهي ما يشد به سرج الفرس ونحوها.
________________________________________
134 طارت قلوب العدا من بأسهم فرقا ... فما تفرّق بين البهم والبهم «1»
135 ومن تكن برسول الله نصرته ... إن تلقه الأسد في آجامها تجم
136 ولن ترى من وليّ غير منتصر ... به ولا من عدوّ غير منقصم «2»
137 أحلّ أمّته في حرز ملّته ... كاللّيث حلّ مع الأشبال في أجم
138 كم جدّلت كلمات الله من جدل ... فيه وكم خصم البرهان من خصم «3»
139 كفاك بالعلم في الأميّ معجزة ... في الجاهليّة والتّأديب في اليتم
140 خدمته بمديح أستقيل به ... ذنوب عمر مضى في الشّعر والخدم
141 إذ قلّداني ما تخشى عواقبه ... كأنّني بهما هدي من النّعم «4»
142 أطعت غيّ الصّبا في الحالتين وما ... حصلت إلّا على الاثام والنّدم
143 فيا خسارة نفس في تجارتها ... لم تشتر الدّين بالدّنيا ولم تسم «5»
144 ومن يبع آجلا منه بعاجله ... يبن له الغبن في بيع وفي سلم «6»
145 إن آت ذنبا فما عهدي بمنتقض ... من النّبيّ ولا حبلي بمنصرم
146 فإنّ لي ذمّة منه بتسميتي ... محمدا وهو أوفى الخلق بالذّمم
147 إن لم يكن في معادي آخذا بيدي ... فضلا وإلّا فقل يا زلّة القدم
148 حاشاه أن يحرم الرّاجي مكارمه ... أو يرجع الجار منه غير محترم
149 ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه ... وجدته لخلاصي خير ملتزم
150 ولن يفوت الغنى منه يدا تربت ... إنّ الحيا ينبت الأزهار في الأكم «7»
__________
(1) البهم: جمع بهمة: وهي السخلة. والبهم جمع بهمة، وهي الشجاع.
(2) المنقصم: المنقطع.
(3) جدل: صرع. والجدالة: الأرض. والجدل: كثير الجدال. خصمه: غلبه. والخصم:
شديد الخصومة.
(4) الهدى: ما يهدى إلى الحرم ليذبح.
(5) سام البائع السلعة: عرضها للبيع: وسامها المشتري: طلب شراءها.
(6) السلم في البيع: هو البيع المؤجل الدفع.
(7) تربت: افتقرت. والأكم جمع أكمة: وهي الربوة.
________________________________________
151 ولم أرد زهرة الدّنيا التي اقتطفت ... يدا زهير بما أثنى على هرم
152 يا أكرم الرّسل ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم «1»
153 ولن يضيق رسول الله جاهك بي ... إذا الكريم تحلّى باسم منتقم «2»
154 فإنّ من جودك الدنيا وضرّتها ... ومن علومك علم اللّوح والقلم «3»
155 يا نفس لا تقنطي من زلّة عظمت ... إنّ الكبائر في الغفران كاللّمم «4»
156 لعل رحمة ربّي حين يقسمها ... تأتي على حسب العصيان في القسم
157 يا ربّ واجعل رجائي غير منعكس ... لديك واجعل حسابي غير منخرم «5»
158 والطف بعبدك في الدّارين إنّ له ... صبرا متى تدعه الأهوال ينهزم
159 وائذن لسحب صلاة منك دائمة ... على النّبيّ بمنهلّ ومنسجم «6»
160 ما رنّحت عذبات البان ريح صبا ... وأطرب العيس حادي العيس بالنّغم «7»
__________
(1) الحادث العمم: يوم القيامة، لأن هوله يعم الخلق.
(2) تحلى: اتصف. والمنتقم: من أسماء الله.
(3) ضرة الدنيا: هي الآخرة.
(4) اللمم: صغار الذنوب.
(5) المنخرم: المنقطع.
(6) المنهل: السائل بشدة. والمنسجم: السائل بهدوء ورفق.
(7) رنحت: أمالت. وعذبات البان: أغصانه. والعيس: الإبل البيض.
انتهت البردة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق