التصوف و الصوفية
![]() |
التصوف و الصوفية |
الطريق الصوفي هو ذلك المنهج العملي التربوي والسلوك الذوقي
القائم على أسس التصوف الإسلامي .
وعند محاولة تعريف التصوف نجد أنفسنا بإزاء حشد هائل من التعريفات.
وقد أتت هذه التعريفات بمثابة الوصف لأحوال التصوف والصوفية
وخصالهما ، وأكثر هذه التعريفات نطق بها الصوفية أنفسهم ؛ مما يدل على أن الناطق بها
خبير في هذا التعريف أو ذاك الوصف .
فمن هذه التعريفات ما يربط بين التصوف والولاية الكاملة مثل
قول الهُجْويري : « الصوفي : اسم يطلقونه على كاملي الولاية ، ومحققي الأولياء » (1)
، ويقول أحد مشايخهم عن الصوفي ومدى فوزه برضوان الله تعالى : « من صافاه الحب فهو
صافٍ، ومن صافاه الحبيب فهو صوفي »(2) .
وهم يسمون أهل الكمال منهم ( بالصوفي ) كما أنهم يسمعون المتعلقين
بهم وبطلابهم ( بالمتصوف ) ؛ ذلك أن التصوف تفعُّل وتكلُّف، والصفاء هو الفرع الأصلي
، والفرق بينهما غير خافٍ في اللغة والمعنى : « فالصفاء ولاية لها آية ، والتصوف حكاية
للصفاء بلا شكاية ».
والصفاء معنى متلألئ ، وظاهر التصوف حكاية عن ذلك المعنى،
وهنا ثلاثة أقسام كما يرى الهُجْوِيري :
الصوفي: «هو الفاني عن نفسه والباقي بالحق؛ فقد تحرر من قبضة
الطبائع، واتصل بحقيقة الحقائق».
ومعنى هذا : أن الصوفي الحقيقي هو من تخلي عن صفاته البشرية
، وتجرد من علائقه الدنيوية ، فلما فنى عن ذلك، تهيأ له الاتصال بالحقيقة الإلهية ،
ووجد البقاء بالله تعالى .
والمتصوف : « هو من يطلب هذه الدرجة بالمجاهدة ، ويقوِّم
نفسه في الطلب على معاملاتهم ».
والمستصوف : « هو من تشبَّه بهم من أجل المنال والجاه وحظ
الدنيا، وهو غافل عن هذين ، وعن كل معنى ، إلى حد أن قيل : المستصوف عند الصوفية كالذباب
، وعند غيرهم كالذئاب » (3) .
وكان أهل الشام يسمون الصوفية (الفقراء) ؛ لأن الله تعالى
سماهم فقراء ، فقال : ﴿ لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ
وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر:8].
وقد أكد الطوسي - صاحب (اللمع) - على أن الصوفي لا يكون كذلك
حقًّا بدون مقارنة أحكام الشريعة علمًا وعملًا ، فيقول في تعريف الصوفية : «هم العلماء
بالله تعالى وبأحكام الله، العاملون بما علمهم الله تعالى، المتحققون بما استعملهم
الله عز وجل ، الواجدون بما تحققوا، الفانون بما وجدوا ؛ لأن كل واحد قد فنى بما وجد
»(4).
فلا ينزل الصوفي منازل الحقيقة، ولن يتحقق بالعبودية ، إلا
إذا صفا من كدر البشرية ، وأخذ بشريعة الله تعالى علمًا وعملًا .
ومع هذا يرى الدكتور عبد الرحمن بدوي أن الأغلب على هذه التعريفات
هو الجانب الأدبي والبلاغي ، دون التحديد العلمي الدقيق .
وبالطبع لا يمكن التحديد العلمى الدقيق لأن العلم
بمفهومه عندنا عاجز عن ذلك .
ونجتزىء هنا بشواهد منها للدلالة على مشكلة تعريف التصوف
:
۱- « سئل الجنيد عن التصوف فقال : هو أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة » .
۲- « وقال الجنيد
: التصوف عنوة لا صلح فيها ».
۳- وقال أيضًا : « هم أهل بيت واحد، لا يدخل فيهم غيرهم ».
٤- وقال أيضًا : « التصوف ذكر مع اجتماع ، ووجد مع استماع
، وعمل مع اتباع ».
٥- « وقال أيضًا : الصوفي كالأرض : يطرح عليها كل قبيح ،
ولا يخرج منها إلا كل مليح ».
٦- وقال أيضًا: إنه كالأرض : يطؤها البر والفاجر ، وكالسحاب
يظل كل شىء ، وكالقطر يسقي كل شىء ».
۷- «وقال سهل بن عبدالله : الصوفي من يرى دمه هدرًا، وملكه مباحًا ».
۸- «وقال الثوري : نعت الصوفي : السكون عند العدم ، والإيثار عند الوجود » .
۹- «وقال الشبلي : التصوف الجلوس مع الله بلا هم ».
۱۰- «وقال الشبلي : الصوفي منقطع عن الخلق ، متصل بالحق ، لقوله تعالى : ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ
لِنَفْسِي﴾ [طه:41] قطعه عن كل غير». ثم قال : « لن تراني ».
۱۱- وقال الشبلي أيضًا : « الصوفية أطفال ، في حجر الحق » .
۱۲- وقال أيضًا: « التصوف برقة محرقة ».
۱۳- وقال أيضًا: « هو العصمة عن رؤية الكون ».
۱٤- وقال الجريري : «التصوف مراقبة الأحوال ، ولزوم الأدب ».
۱٥- « سئل ذو النون عن الصوفية فقال : هم قوم آثروا الله – عز وجل - على كل شىء
فآثرهم الله –عز وجل- على كل شىء».
۱٦- «وسئل عمرو بن عثمان المكي عن التصوف فقال : « أن يكون العبد في كل وقت بما
هو أولى به في الوقت » .
۱۷- «وسئل سحنون عن التصوف فقال : « أن لا تملك شيئًا ولا يملكك شىء ».
۱۸- «وسئل رويم عن التصوف فقال : استرسال النفس مع الله تعالى على ما يريد» .
۱۹- « قال أبو يعقوب المزابلى : التصوف حال تضمحل فيها معالم الإنسانية ».
۲۰- «وقال رويم بن أحمد البغدادى: التصوف مبني على ثلاث خصال : التمسك بالفقر والافتقار،
والتحقق بالبذل والإيثار، وترك التعرض والاختيار ».
۲۱ - « وقال معروف
الكوخي : التصوف الأخذ بالحقائق ، واليأس مما في أيدي الخلائق » .
۲۲- وقال عبد الواحد بن زيد : الصوفية هم « القائمون بعقولهم على همومهم ، والعاكفون
عليها بقلوبهم ، المعتصمون بسيدهم من شر تفوسهم » .
۲۳- « وسئل ذو النون المصري عن الصوفي فقال : هو الذي لا يتعبه طلب ، ولا يزعجه سلب
» .
۲٤- ويلخص السراج تعريفات الصوفية :
«هم العلماء بالله ، وبأحكام الله ، العاملون بما علمهم الله تعالى ، المتحققون بما
استعملهم الله عز وجل ، الواجدون بما تحققوا ، القانون بما وجدوا ، لأن كل واحد قد
فني بما وجد ».
وهذه التعريفات ترجع إلى صوفية من القرنين الثالث والرابع
الهجريين .
المراجع :
أ/د عبد الرحمن بدوي، تاريخ التصوف الإسلامي - من البداية
حتى نهاية القرن الثاني، الكويت : وكالة المطبوعات، (ص 15- 22) .
- أ/د عبد اللطيف محمد العبد، التصوف في الإسلام وأهم الاعتراضات
الواردة عليه ، القاهرة : توزيع العبد سنتر، ط3، 1421هـ - 2000م ، (ص 69 - 77).
(1) كشف المحجوب، ص230.
(2) نفس المكان.
(3) نفس المصدر، ص231.
(4) اللمع، ص47.
التصوف و الصوفية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق